آيا صوفيا ... ما أحوجنا إلى الحكمة والأخوّة الحقيقيّة: مقال للأب د.رفعت بدر
الأب د. رفعت بدر :
قوبل قرار المحكمة الإداريّة العليا في تركيا، الخميس الماضي، والمرسوم الّذي أصدره الرئيس التركي حول تغيير الوضع القانوني لمعلم آيا صوفيا ومعناها «الحكمة المُقدّسة» التاريخيّ، المدرج في قائمة اليونسكو للتراث العالمي، بجدلٍ واسع حول العالم.
هنالك حقائق تاريخيّة لا يمكن إنكارها، وهنالك حقوق لا يجب التغاضي عنها في التّعامل مع حدثٍ كبير يتجاوز بشكل مطلق ما أدعي بأنّه «شأن محليّ»، سيمّا وأن آيا صوفيا هي «شأن عالميّ». تقول اليونسكو بهذا الخصوص: «يجب أن تحرص الدولة التي توجد ممتلكات التراث الثقافي على أراضيها، على عدم إدخال أي تعديل عليها من شأنه الإضرار بقيمتها العالمية الاستثنائية»، وشددت بأنّ «مشاركة المجتمعات المحلية وغيرها من الأطراف المعنية بالممتلكات الثقافية، مشاركةً فعليةً ومنصفةً وشاملةً للجميع، هي شرط أساسي للحفاظ على هذه الممتلكات، ولإبراز فرادتها وقيمتها». لكنّ، مع كل أسف تمّ تغيير وضع آيا صوفيا القانوني، كما ومع كل ألم، استخدم الدين لمكاسب سياسيّة.
نعود إلى رسالة الفاتيكان في شهر رمضان الماضي، حيث كانت الرسالة السنويّة التي دأب الفاتيكان على تهنئة الإخوة المسلمين فيها، حول عنوان: «حماية أمكان العبادة كمسؤولية اسلامية ومسيحية». تقول الرسالة: «تحتلّ أماكن العبادة، كما نعلم جميعًا، مكانة هامة في المسيحية وفي الإسلام، وكذلك في الأديان الأخرى. فالكنائس والمساجد هي، بالنسبة للمسيحيين والمسلمين، أماكن مخصّصة للصلاة الشخصيّة والجماعيّة على حدّ سواء. وهي مبنيّة ومؤثَّثة بطريقة تساعد على الصمت والتأمّل. إنها فضاءات يمكن للمرء أن يتوجّه بفضلها الى أعماق نفسه، مما يُهيّئ الفرصة لخبرة روحية في صمت. فمكان العبادة لأي دين هو بيت للصلاة».
نعود أيضًا إلى أبوظبي حيث تمّ التوقيع في شباط 2019 على وثيقة تاريخيّة بين البابا فرنسيس وشيخ الأزهر د. أحمد الطيب، وما يمثله كل منهما من رمز ديني واسع الانتشار. فقد شدّدت وثيقة الأخوّة الإنسانيّة على «أنّ حماية دور العبادة، من معابد وكنائس ومساجد، واجبٌ تكفله كلّ الأديان والقيم الإنسانيّة والمواثيق والأعراف الدوليّة، وكلّ محاولةٍ للتعرّض لدور العبادة، واستهدافها بالاعتداء أو التفجير أو التهديم، هي خروجٌ صريحٌ عن تعاليم الأديان، وانتهاكٌ واضحٌ للقوانين الدوليّة».
أما مجلس الكنائس العالمي، الذي يمثل 350 كنيسة مسيحية في أكثر من 110 دولة، فقال كلمة في هذا الشأن، أوضح فيها أن «آيا صوفيا كانت مكانًا للانفتاح والتلاقي والوحي للناس من جميع الأمم والديانات»، معتبرًا أن هذا القرار يهدّد بتشجيع «طموحات مجموعات أخرى، خارج تركيا، تسعى إلى تغيير الأمر الواقع، وإحياء الانقسامات بين المجتمعات الدينية».
أما مجلس كنائس الشرق الأوسط الذي يضم العائلات الكنسيّة الأربعة المتواجدة في الشرق الأوسط (وهي الكنيسة الأرثوذكسية، والكاثوليكية، والأرثوذكسية الشرقية، والإنجيلية). فقد أكدّ بأن القرار التركي «هو إعتداء على الحريّة الدينيّة التي باتت بُنيَة مؤسّسة في الضمير العالمي وكرّستها المواثيق والأعراف والقوانين الدوليّة»، بالتالي فإنّ «العالم أجمع معنيّ بوقفة ضمير وموقف حاسم للتحرّك على كل المستويات لوضع حدٍّ لهذا الإعتداء والتجاوز بما يحافظ على حقيقة العيش معًا بعمقها».
نهاية نقول مع قداسة البابا فرنسيس بأنّ قلوبنا حزينة على ما حدث، لأنه يؤثر على صورة التعدديّة الراقية، ولكننا في الأردن فخورون بالاحترام المتبادل بين المسلمين والمسيحيين، وفخورون بالمبادرات الراقية التي صدّرها بلدنا وأصبحت معالم كبيرة في الحوار الديني. ونحن كذلك فخورون بالوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية. ولا ننسى أن جلالة الملك عبدالله الثاني قد تبرّع على نفقته الشخصيّة لترميم كنيسة القيامة. وبعد أن نال جائزة تمبلتون للحوار في واشنطن، قال جلالته بأنه سيقدّم قيمة هذه الجائزة من أجل مبادرات الحوار الديني الراقي.
حفظ اللّه الأردن، وحفظ الوحدة الوطنيّة، وحفظ الأخوّة الإنسانيّة في العالم أجمع.
المصدر: موقع أبونا
t.ly/9fv9