معايير إختيار قياديّي (الأساقفة) الكنيسة
بمناسبة أحد الراعي الصالح في الكنيسة الكاثوليكية 25 نيسان 2021
غبطة البطريرك الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو
لقد شهد المجتمع والكنيسة مستجدات وتحولات عميقة انعكست عليها، فضلاً عن تنامي الفكر المتطرف الظلامي وتداعيات جائحة كورونا مما فرض وضعاً مختلفاً عمَّا كان عليه في السنوات الماضية. هذه المتغييرات والظروف الصعبة تُحتم على المؤسسة الكنسية ومن بينها السينودس “الكلداني” اتّباع معايير دقيقة لاختيار قيادييّ (الأساقفة) الكنيسة: الانسان المناسب للمكان المناسب، ان كان بالنسبة للرعية أو الابرشية أو البطريركية (هنا أؤكد عزمي على الاستقالة عند بلوغي السن القانونية، أي بعد ثلاث سنوات)، بحيث يكون الاكليريكي مرجعاً كنسيّاً موثوقاً به. بهذه الطريقة تحقق الكنيسة حضورَها، وتضمن خدمة أكثر ملائَمةً لمؤمنيها، وأكثر تماسكاً لمؤسساتها ونشاطاتها، مما يمكّن المؤمنين من ممارسة حياتهم المسيحية بثقة وحماسة وفرح.
ترِدنا العديد من الرسائل تنتقد سلوك بعض أفراد الاكليروس واداءهم، احياناً فيها أمور صحيحة واحياناً أخرى هي مجرد رغبة في الاعتراض، لكن بعض هذه الرسائل تُشير الى تفاعل المؤمنين مع الكنيسة بحيث لا يمكنهم اليوم تقبُّل أي رجل دين كيفما كان. انهم يتمنون ان تكون له سمات أساسية تناسب صورة الكنيسة التي يفكرون بها. لذا من الضروري أن يأخذ آباء السينودس هذه الأفكار على محمل الجدّ لكي تبقى كنيستنا حيّة وقويّة، كما وصفها البابا فرنسيس في زيارته للعراق 5-8 اذار 2021.
تسرد قوانين الكنيسة الكاثوليكية ومجموعة قوانين الكنائس الشرقية الكاثوليكية (ق 180-189) قائمة بصفات المرشَّح للاسقفية والبطريركية، لكن من المؤسف أنها قلما كانت تؤخذ في الماضي بنظر الاعتبار، لذا أوَد توضيح هذه الصفات، واضافة صفات أخرى عملية أراها ضرورية تعلّمتها من خبرتي ككاهن واسقف وبطريرك:
ان يكون المُرشَّح واعياًّ للايمان ومتاصلاً وفاعلاً فيه، وذا نضج انسانيّ وروحي ونفسي وثقافي وراعوي- اداري، حكيماً وشجاعاً. يعرف كيف يستعمل سلطته- خدمته بشكل سليم، رحمة للبشر وليس للاستئثار والانتقام.
له القدرة على قراءة علامات حضور الله (علامات الأزمنة) واكتشاف مواهب الآخرين، واحتضانهم وإشراكهم في العمل الكنسي، والتواصل معهم وتحويل اسهاماتهم الى تكامل ايجابي و ايقاع “روح الجماعة الكنسية”.
ألّا يُهمَل الجانب العملي والوعي الرعوي لدى اختياره كالتواضع والبساطة، والخدمة (سمعة طيبة) لكي يعكس أبهى صورة روحية وانسانية للكهنوت الخدمي.
ان يكون مؤمناً بالمراجعة والاصلاح والتجديد مع الحرص على حماية اصالة الإيمان وليس المفاهيم الخاطئة، وبهاء التقليد وليس الموروث الزائف، وجمال الكنيسة الداخلي وليس البهاء الخارجي.
ان يكون مستقلاً أي غير مسيّس، له صوتٌ نبوي مؤثّر تجاه القيم الانسانية والوطنية كالعدالة الاجتماعية والمواطنة الكاملة والسلام، والدفاع عن حقوق الناس (المظلومية)، وحريتهم وكرامتهم والعيش المشترك المتناغم. هذا الاهتمام لا يُعدّ تدخلاً في السياسة، بل ينبع من لاهوت الكنيسة الاجتماعي، فالكنيسة معنية بالشأن الانساني والوطني.
ان يكون غيرَ رجعيٍّ ومحاوراً جيداً، غير متردد ولا يغير رأيه باستمرار، ولا يكون دكتاتورياً، ولا انتهازياً يحقق مصالح خاصة!!
ان يكون أباً واخاً وصديقاً لابناء الرعية، وخادم المحبة، بخاصة الفقراء، ومعززا الروح التشاركية. لايُقسم الرعية الى تكتلات جماعتية، ولا يُقصي أحداً من بركة الله ورحمته وغفرانه، التي هي للجميع.
ان تكون الأولوية في نشاطاته للتعليم والتوعية والتنشئة الإيمانية. يعيش ما يعِظ به لتصبح حياته شهادة.
ان يكون مصلياً وليس مُمارساً للطقوسانية. فالصلاة عونٌ كبير له أمام الضغوطات العديدة التي يتعرض لها.
.أن يعتمد التنشئة المستدامة والتجديد الروحي والثقافي والإنساني، لكي لا يتعود على نمط معين ويَفرَغ من جديد الله وجديد الانسان.
ان يكون متخصصا في أحد العلوم الكنسية ويتقن لغة أجنبية واحدة.
قال البابا فرنسيس في كلمته قبيل السلام الملائكي ظهر الأحد 18 نيسان 2021 وهو يشرح إنجيل تلميذي عمّاوس (لوقا 24/ 13-35) ما يلي:
“أيها الإخوة والأخوات، تقول لنا هذه الصفحة من الإنجيل أن يسوع ليس “روحاً” وإنما هو شخص حيّ؛ أن نكون مسيحيين ليس عقيدة أو مثالاً أخلاقيّاً بل هي العلاقة مع الرب القائم من الموت: ننظر إليه ونلمسه ونغتذي منه وإذ تحوِّلنا محبّته ننظر إلى الآخرين ونلمسهم ونغذّيهم كإخوة وأخوات”. هذه الكلمات الأبوية المؤثرة هي لنا نحن الاكليروس قبل أن تكون لغيرنا.
في الختام، أؤكد أننا بكل مراتبنا الكنسية لسنا ملائكة السماء على الارض، نحن بشر مثل غيرنا، لنا ضعفنا وحدودنا، ولا ندّعي الكمال…
هذا المقال نُشر على موقع بطريركيّة بابل للكلدان، لقراءة المزيد اضغط هنا.