تعزيز التنوّع الثقافيّ في العراق وأثره في اثراء هويّتنا الوطنيّة

غبطة بطريرك بابل للكلدان الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو

نظَّمت وزارة الثقافة ندوة إفتراضيّة عبر الزوم عن "تعزيز التنوّع الثقافيّ في العراق وأثره في اثراء هويّتنا الوطنيّة" مساء الأربعاء 29 كانون الأوّل/ ديسمبر 2021 قدّم فيها غبطة البطريرك الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو، بطريرك بابل للكلدان، دراسة عن الموضوع وبعدها تمّت مناقشة مفتوحة إشترك فيها نخبة فكريّة ودينيّة وأكاديميّة من العراق ومن الخارج، حضرها معالي وزير الثقافة الدكتور حسن ناظم، ومستشار رئيس الوزراء د. حسين الهنداوي وادار النقاش د. سعد سلوم رئيس مؤسسة المسارات.

وأدناه نصّ محاضرة غبطة البطريرك ساكو، وقد سبق هذه الندوة لقاء أول تكلم فيه سمو الامير حسن بن طلال (الأردن) واشترك فيه البطريرك ساكو.

إعلام بطريركيّة بابل للكلدان

شكر وامتنان لمعالي وزير الثقافة د. حسن ناظم وفريقه لهذه الدعوة، وتنظيم هذه اللقاءات التي هي مبادرات مضيئة نحتاجها في ظروفنا الحالية المعقدة.

تنوع الديانات والطوائف والمذاهب والقوميات واللغات، والاختلاط والعولمة ظاهرة عالمية، لذا يشكل موضوع العيش المشترك الهاجس المشترك للشعوب، بكونه ضمان وحدة المجتمع، وتنوعه، وتماسك اللحمة الوطنية، والعيش معاً بتفاعل وتناغم.

لا يمكن أن تكون ثمة تعددية من دون وجود المسيحيين والمسلمين والصابئة المندائيين والايزيديين وآخرين. هذا التنوع النوعي يُساهم في تماسك المجتمع والتواصل بمحبة.

المعتقد بين هذه الديانات مشترك. يقوم بوجود إله واحد في الجوهر، أما التعبير فيختلف وهذا طبيعي. فاللّه خلقنا مختلفين. لذلك نحتاج الى الحوار للتعرف على بعضنا البعض عن كثب وبالحق.

المشكلة ليست في الدين، ولا في الثقافة، انما في فهم الدين والثقافة والتعامل مع الاخرين لتجنب استغلال الديانة أو الثقافة أو القومية، من قبل بعض المتشددين لغايات سياسية واقتصادية.

من المحزن ان تستمر عمليات العنف والقتل الى يومنا هذا تحت عباءة اللّه والدين! لذا يتعين على العاملين المتنورين في المجال الديني إيجاد رؤية دينية ومقاربة جديدة من أجل تحقيق السلم المجتمعي، والعدالة والخير لجميع الناس. المرجعيات الدينية مسؤولة عما يحدث في مجتمعاتنا، ولا ينبغي ان يبحّ صوتها لأنها تحمل الامل للناس حتى وان كان صوتها صارخاً في البرية. الإحباط والسكوت يقوّي حاضنة الفساد والتشدد والعنف. 

العراق جامع للحضارات والديانات

بلدنا فريد بتنوّع قومياته، ولغاته، ودياناته ومذاهبه، وتراثه. هذا التنوع اثراءٌ وخصوبة. هذه المعيّة ليست العيش جنباً الى جنب، بل ارتكازٌ على احترام الآخر وحقه بالإختلاف، ورغبته في مشاركته الحياة بتبادل الوجدان والمصير، في حضارة نهرينية فريدة وجميلة نفتخر بها. هناك مساحة واسعة تجمعنا، وقيَم مشتركة ينبغي تفعيلها.

موضوع العيش المشترك وتعزيز قيم الاعتدال والتسامح والاحترام ليس عملية ترويج شعارات “slogans”، بل هو عملية تنشئة مستدامة للناس وبناء مؤسساتي.

فيما يأتي نورد بعض الأفكار عن كيفية إعادة علاقات “أكثر قوة وتماسكاً” بين الاديان

  1. ضرورة اعتماد الاعتدال والوسطية وفهم الآخر وتقييمه واحترامه، والتغلب على الاختلافات والالتزام بالشراكة. ورفض الفكر التكفيري الظلامي والإرهاب باسم الدين وتفكيكه، واعلانه آفة انسانية.

  2. من أهم الوثائق الدينية في احترام الاديان ومقاربة القضايا الإنسانية والعالمية اليوم رسالة البابا فرنسيس” كلُّنا اخوة” التي تحمل رؤية جديدة للكنيسة حول مواجهة التحديات العالمية، وكذلك “وثيقة الأخوَّة الإنسانية” الموقَّعة في ابي ظبي بين البابا فرنسيس وإمام الأزهر الشيخ الدكتور أحمد الطيب، واخيراً قول المرجع الشيعي الاعلى السيد علي السيستاني اثناء زيارة البابا فرنسيس للعراق 5-8 آذار 2021: "نحن جزءٌ منكم وانتم جزءٌ منا". أي نحن أخوة في عائلة واحدة، لكننا متنوعون. هذه الوثائق تدعو كل واحد ان يحترم الآخر والا يستخف به بسبب دينه او مذهبه او قوميته. هذه المواقف والتصريحات تشكل قاعدة أساسية للعيش المشترك ينبغي تفعيلها على أرض الواقع.

  3. ضرورة إصلاح القوانين القديمة. ثمة حاجة الى سنّ قوانين جديدة خصوصاً ما يتعلق بالاحوال الشخصية وحرية المعتقد، والمرأة والاطفال والاقليات، لتتلاءم مع الواقع الديني والثقافي والاجتماعي والاقتصادي الذي يعيشه المجتمع المعاصر. تتحمل الاغلبية مسؤولية احتضان الاقليات وليس كسرها. وضروري ان يكون النظام السياسي مدنيا يتعامل مع المواطنين بعدالة ومساواة بعيداً عن أية اعتبارات اخرى.

  4. التربية البيتية والمدرسية. التعليم رسالة، رسالة بناء إنسان سَوي. لذلك يتعين خلق بيئة معتدلة، سليمة ومتكاملة، لينمو فيها الأطفال في البيت، والطلاب في المدرسة تساعدهم على تطبيق تعاليم دينهم بثقة، واحترام ديانة زملائهم على أساس الاُخوّة والمواطنة والقيَم التي ذكرناها. وكما قال البابا فرنسيس: "مهم جداً ان يتحلّى الطالب بضمير حيّ". ضروري تغيير مناهج التعليم وتجنُّب كل ما من شأنه ان يُسيء الى الآخر

هذه المحاضرة نُشرت على موقع بطريركيّة بابل للكلدان، لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

غبطة البطريرك ثيوفيلوس الثالث: صامدون أمام تهديدات الجمعيّات الصهيونيّة المتطرّفة

Next
Next

أمّ اللّه وأمّ العالم: مريم بحسب قداسة البابا فرنسيس