نؤمن بيسوع المسيح، أبن اللّه (مرقس 1/ 1) بمناسبة زمن البشارة والميلاد
غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو، بطريرك الكلدان في العراق والعالم
ينبغي للمؤمن (التلميذ) ان يكون مع المسح، ليتعرف عليه، ويتعلم منه، ويشاركه حياته "تعال وانظر" (يوحنا 1/ 46). يتطلب الإيمان ان ننظر إلى ميلاد يسوع المسيح، بعيون جديدة لكي ندخل في علاقة حقيقية وصادقة مع معطيات الإنجيل (وحيٌ من اللّه)، بعيدًا عن الحرفية والسطحية. وراء هذه النصوص نكتشف قصةً وسرًّا، علينا ان نتعمق فيهما بصبرٍ وتأنٍ، كلمة كلمة، ونلتزم بها، كما فعل الإنجيلي لوقا: "لَمَّا أَن أَخذَ كثيرٌ مِنَ النَّاسِ يُدَوِّنونَ رِوايةِ الأُمورِ الَّتي تَمَّت عِندنَا، كما نَقَلَها إلَينا الَّذينَ كانوا مُنذُ البَدءِ شُهودَ عِيانٍ لِلكَلِمَة، ثُمَّ صاروا عامِلينَ لها، رَأَيتُ أَنا أَيضًا، وقَد تقَصَّيتُها جَميعًا مِن أُصولِها، أَن أَكتُبَها لَكَ مُرَتَّبَةً يا تاوفيلُسُ المُكرَّم، 4لِتَتَيَقَّنَ صِحَّةَ ما تَلَقَّيتَ مِن تَعليم" (لوقا 1/ 1-4).
هذه النصوص ليست لوحة جامدة، وكلمات أسيرة، بل انها لوحة متحركة وكلمات مدهشة، لمن يقرأها في جوٍّ من الصلاة والتأمل. هذا اللقاء وجهاً لوجه مع الإنجيل، يمنح قوة للحياة والاندماج والنمو، وإقامة علاقات جديدة. ويُمكِّنُنا من ان نكون فريقاً واحداً وجماعةً واحدةً (الكنيسة) ملتفة حول يسوع المسيح المخلص.
تقول الرسالة الى غلاطية: “فلَمَّا تَمَّ الزَّمان، أَرسَلَ اللهُ ابنَه مَولوداً لامرَأَةٍ…، فنَحظى بِالتَّبَنِّي” (غلاطية 4/ 4-5).
ابن اللّه
لنبدأ بابن الله، أي الكلمة المتجسد. كلمة الله هي الله: “في البدء كان الكلمة والكلمة هو الله (يوحنا1/ 1). يصلّي يسوع الى الآب قائلاً: “يا أبتِ مجِّدني الآن عندك بما كان لي من المجد عندك، قبل أن يكون العالم” (يوحنا 17/ 5). لنقترب رويداً رويداً لفهم هذه الكلمات. الآب يولد الإبن، وقانون الإيمان يقول “مولودٌ غير مخلوق”، لأن اذا كان مخلوقاً يعني كان ثمة وقت لم يكن موجوداً. كلمة الله الازليّ يُصبح إنسانا في الزمن تحت اسم يسوع المسيح. والله غير المنظور يظهر للبشر في هيئة يسوع المسيح. فالمسيح هو الله، لأن ابن الله هو الله نفسه. والله القادر على كل شيء تجسَّدَ بهيئة إنسان هو يسوع المسيح ابن مريم.
من الواضح ان هذه الكلمات المستخدمة للتعبير هي كلمات بشرية لا يمكنها ان تستنفذ كلّ سر الله، وعلاقته بالمسيح. ليس لنا سبيل آخر للتعبير عن سر الله سوى كلماتنا، وان الله نفسه كشف ذاته بكلمات بشرية، لذا يُشبِّه الرسول بولس هذا الكشف عن سرّ الله “بكنز في إناء من خزف” (2 قورنثية 4/ 7).
رسالة المسيح
يشرح الانجيلي يوحنا بوضوح سبب مجيء المسيح: “فإِنَّ اللهَ أَحبَّ العالَمَ حتَّى إِنَّه جادَ بِابنِه الوَحيد لِكَي لا يَهلِكَ كُلُّ مَن يُؤمِنُ بِه، بل تكونَ له الحياةُ الأَبدِيَّة” (يوحنا 3/ 16). انها مبادرة الهية عظيمة.
جاء يسوع الإبن ليصالح البشر مع الله الآب ومع بعضهم البعض، ويساعدهم لكي يكونوا أبناء وبنات لائقين به. ولقد ساهمت مريم بطاعتها لله وتفاعلها معه في حصول التجسُّد، أي الحبل بيسوع و الولادة منها باعجوبة. سرٌّ كلما تأملنا به، كلما اندهشنا أكثر.
في التجسد يظهر الله في يسوع المسيح “صورة الله الذي لا يرى” (كولسي 1/ 15). ويشدد يسوع على هذه الحقيقة قائلاً: “من رآني رأى الآب” (يوحنا 14/ 9). هكذا يظهر الله حقاًّ في يسوع المسيح. إستخدام كلمة “ظهور الله في يسوع المسيح” تبدو لي أكثر مفهومة من العبارة اللاهوتية “التجسد”، لان التجسد هو أكثر من جسد، هو كل الانسان.
حضور الله بشكل خاص بين البشر كان ضروريًا.
أولاً: لتحرير الانسان من الشر.
ثانياً: ليجعله يشعر انه ابن وبنت لله، ويسلك كابن ويتمسك بأخلاق الابن وليس كعبد أو أجير (لوقا فصل 15).
يسوع المسيح “بهاء مجد الله وصورة جوهره” (عبرانيون 1/ 3)، أراد أن يكون قريباً منا، ليكشف لنا محبة الله ورحمته، ويساعدنا على أن نكون انسانيين ومحبين. هذا ما نسميه في لاهوتنا المشرقي بتدبير الخلاص. يقدم لنا يسوع إمكانية الخلاص بان نأخذ منه كل يوم شيئاً ونضعه على أنفسنا لنغدوَ تدريجيّاً أبناء وبنات لله. هذه البنوة إنْ عشناها هي الحياة الأبدية.
زمن ولادة المسيح
قد يطرح أحد السؤال لماذا انتظر اللّه أكثر من الفي عام حتى يأتي المسيح الى عالمنا. الجواب الطبيعي هو لكي يُعِدّ الشعب (المختار) لاستقباله. الكتاب المقدس (العهد القديم) يحتوي على إشارات عديدة بقدوم المسيح. وعمل الأنبياء على إبقاء هذا الرجاء (الانتظار) حياً في ذاكرة المؤمنين. وأشاروا الى انه من نسل داود، ويولد في مدينة بيت لحم “مدينة الملك داود” (لوقا 2/ 4).
هذه الولادة تعني ان يسوع من نسل داؤد، لكن نشاطه شمل فلسطين وكل العالم. وعندما بدأ يسوع كرازته العلنية، فَهِم الرسل والكنيسة أنه حقق هذه الوعود. تحدد الرسالة الى غلاطية هذا الزمن بـِـ “ملء الزمن” (4/ 4). ملء الزمن هو قلب التاريخ الذي يميّز قبل المسيح وبعده، على الأقل بالنسبة للعالم المسيحي، لكن يبقى الله فوق الزمن.
عَمَل المسيح لا يقتصر على الثلاثين سنة التي عاشها في فلسطين ويتكلم عنها الإنجيل، انما لا يزال يعمل بشكلٍ غير منظور في تاريخنا ويفتن تجليه ونوره الكثيرين.
كيف نفهم الولادة العجائبية من العذراء مريم
ولادة يسوع من مريم هي بفعل خلاّق ومباشر من الله بفضل الروح القدس المُحيي. فالله يُعطي الحياة ليسوع كما أعطاها لآدم. ويتدخل الله أيضاً ليُقيم المسيح من بين الأموات. هكذا ترتبط اللحظة الأولى والأخيرة من حياة يسوع بالله. وان لاهوت الله حلَّ في أحشاء القديسة مريم البتول فولَدَت المسيح “الكلمة صار جسداً وسكنَ بيننا” (يوحنا 1/ 14).
هكذا أصبح القبر فارغاً أيضاً، بقدرة الله الذي أقام المسيح من بين الأموات. “قد أَقامَه اللهُ وأَنقَذَه مِن أَهوالِ المَوت، فما كانَ لِيَبقى رَهينَها” (أعمال الرسل 2/ 25). تَدَخُّل الله في البداية والنهاية بشكل عجائبي، ينوّران ويدعمان بعضهما البعض.
القابه: يسوع المسيح، المخلّص، والرب (فيليبي 2/ 11) وابن الله وابن الانسان وكلمة الله (يوحنا 10/ 30) و38 و16/ 33) متى 7/ 29) والمعلّم.
قيامة المسيح هي أساس ايماننا وخلاصنا
“اذا المسيح لم يقم فانتم بعدُ في خطاياكم” (1 قورنثية 15/ 17) و “واذا المسيح لم يقم فايمانكم باطل” (1 قورنثية 15/ 17).
إقامة الله الآب يسوع، هو المصادقة على كل ما قاله وفعله. يتخذ الله كل شيء تحت مسؤوليته، أي ختم حياة يسوع بختمه. ما يقال عن الإيمان بالله ينطبق على الإيمان بقيامة المسيح وألوهيته أيضاً. تبقى هناك صعوبة ادراك هذا السرّ .. لن يحصل هذا الفهم الا بالايمان ونعمة الروح ونوره وفي الصلاة…
هذا المقال نُشر على موقع البطريركيّة الكلدانيّة في بغداد، لقراءة المزيد إضغط هنا.