Therefore, if anyone is in Christ, the new creation has come (2 Corinthians 5: 17)
An Environmental Theology Lecture Delivered in Arabic by Archimandrite Euthymios Faqas
A Priest at Saint Elie Chouaya Patriarchal Monastery - Lebanon
With the beginning of the “Season of Creation” 2023, Archimandrite Euthymios Faqas, a Priest at the Greek Orthodox Saint Elie Chouaya Patriarchal Monastery – Lebanon, delivered a spiritual lecture about Environmental Theology with an Orthodox view, under the title “Therefore, if anyone is in Christ, the new creation has come” (2 Corinthians 5: 17), which you can find below its full text in Arabic. The lecture was part of a Spiritual Retreat organized by the General Secretariat of the Middle East Council of Churches on Friday 1 September 2023, which also marks the beginning of the Ecclesial Year. It was hosted by His Eminence Bishop Costantine Kayyal, the Head of the Saint Elie Chouaya Patriarchal Monastery, at the Monastery.
"إِنَّهُ إِذَا كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ، فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ" ٢كو ٥: ١٧
عندما يتأمل الإنسان بالخلق لا يسعه إلا أن يسبح الخالق قائلًا: " لأني أُعاين السماوات عمل أصابعك، والقمر والنجوم التي أبدعتها، فما هو الإنسان حتى تذكره أو ابن الإنسان حتى تفتقده، أنقصته قليلًا عن الملائكة، بالمجد والكرامة كللته". مز ٨.
يتخذ مجلس الكنائس الشعار "ليتدفق العدل والسلام" عنوانًا لموسم الخليقة للعام ٢٠٢٣، وهو من الآية "ليجرِ العدلُ كالمياه، والصدقُ كنهرٍ لا ينقطع" التي كتبها عاموس النبي في الإصحاح الخامس. يبدأ هذا الإصحاح، أي الإصحاح الخامس من سفر عاموس، بالدعوة إلى التوبة ويستخدم كاتب السفر العناصر البيئية لتهويل خطورة معصية الله، يُهدد إسرائيل بالعناصر المُخلوقة، إذ يقول، على سبيل المثال لا الحصر، " تُشَيِّدُوا بُيُوتاً مِنْ حِجَارَةٍ مَنْحُوتَةٍ، فَإِنَّكُمْ لَنْ تَسْكُنُوا فِيهَا. وَتَغْرِسُوا كُرُوماً شَهِيَّةً، وَلَكِنَّكُمْ لَنْ تَشْرَبُوا مِنْ خَمْرِهَا."
يأتي الشعار الذي اتخذه مجلس الكنائس هذه السنة في خِتام الإصحاح، والذي فيه يُظهر الكاتب أن المكافأة أيضًا للتوبة تُحْضِرُ السلام والطمأنينة مثلما يشعر الإنسان عندما يتشارك بالصمت مع البيئة. إذ إن الإنسان الذي يجلس بصمتٍ عند النهر أو الذي يراقب غروب الشمس عند البحر يشعر بالسلام، ولا يكتفي هذا الإنسان بالشعور بالسلام، بل يغادر ذلك المكان وهو ملئ بالفرح ويعكسه على كل من يصادفه.
عِندما خَلقَ الله كل شيء، خلقه "بلياقةٍ وترتيب"، خلق النور، وفصله عن الظلام، ثم خلق الماء وفصله عن السماء، ثم خلق اليابسة وفصلها عن البحار...الخ، وهكذا هيئ الله كل شي ليخلق الإنسان الذي سيتسلط على الخليقة.
عاش الإنسان، في البدء، بسلامٍ مع كل الخليقة، لم تكون الوحوش المفترسة مخيفة، ولا الأليفة قريبة منه! بل كانت كلها بسواسية معه، يُحبها ويتعايش معها. حتى وقع فريسة المُجرِّب، فتغيير كل شي بسبب عدم طاعته.
في البداية كانت الخليقة حسنة بكليتها كما خلقها الله، كما سبق وذكرنا، ثم دخل الشر فيها كما في الإنسان، شرٌّ ليس معنويًا فقط، بل جسديًا أيضًا! ويتجلى في اختلالٍ يؤثر على ترتيب الخليقة الأصلي، وفي عمليات تدمير لما أنشأه الله. يشير فلاديمير لوسكي إلى أن عناية الله منعت الخليقة من أن تُدمَر بالكامل، ولكن الطبيعة أصبحت ساحة معركة يتواجه فيها الخير والشر باستمرار. تصارعُ الكائنات الحية باستمرارٍ للقضاء على الميكروبات، أو البكتريا، أو الفيروسات، أو التغيُّرات الجينية (الناتجة عن الشيخوخة أو العوامل البيئية) التي تعسى إلى إبادتها، إلى أن يُضعفها التقدم في السن الذي يخفض مناعتها، فتُهزم أخيرًا وتموت. قد لا تؤثر البكتيريا او الفيروسات لآلاف السنين سوى على أنواعٍ حيوانية، أو قد تُحفظ فيها من دون التأثير عليها ثم تنتقل فجأة إلى الإنسان. هكذا فعلت الفيروسات المختلفة التي سبّبَت أوبئةً في العقود الأخيرة.
يقول اللاهوتي جان-كلود لارشيه: "وفقًا للمفهوم الأرثوذكسي الذي طوره الآباء انطلاقًا من الكتاب المقدس، أنتجت الخطيئة الجَدية ثلاث تأثيرات على المستوى المادي: قابلية الهوى الذي أنتج الألم، الفساد الذي أنتج المرض، والموت الذي يَنتج عن الفساد. خطيئة آدم وحواء كانت انفصالهما عن الله ما أدى إلى فقدانهما النعمة التي كانت تمنحهما اللاهوى وعدم الفساد وعدم الموت." ولمّا كان آدم وحواء النموذجين الأولين للبشرية، فقد نقلا إلى نسلهما نتيجةً لذلك طبيعتهما البشرية التي غيّرتها التأثيرات الضارّة لخطيئتهما. الاختلال الذي طال الطبيعة البشرية أثّر أيضًا على الطبيعة بأكملها، لأن الانسان بانفصاله عن الله خسر مكانته كملكٍ على الخليقة المنظورة (وأصبح الشيطان أمير هذا العالم)[1]، وحرم المخلوقات من النعمة التي كان ينقلها إليها كوسيط.
وفقًا للمفهوم الأرثوذكسي، إن خطأ آدم وحواء هو خطأ شخصيٌ لا ينتقل إلى نسلهما، بل قد نتنقل آثاره وحسب. غير أن نسلهما منذ البداية وحتى اليوم، وكما يقول القديس بولس الرسول في روميا [2]١٥ أخطأوا مثل آدم، واقتفوا أثره، وثبّتوا خطيئته وآثارها بخطاياهم الخاصة. إذًا ثمة مسؤوليةٌ جماعيةٌ عن الشرور التي تصيب العالم الساقط، ما يعلل إرجاعنا إياها إلى الخطيئة ودعوتنا إلى التوبة. وينطبق هذا على المستوى العام، لشرخ أصل المرض والعلل الأخرى ومصدرها، وليس على مستوى الفرد لتوضيح أنه يحدث لشخص معين أو فقط لمجموعة معينة من الناس.
[1] استعمل الرب يسوع تعبير "رئيس هذا العالم" للدلالة على الشيطان. على سبيل المثال " وَأَمَّا عَلَى الدَّيْنُونَةِ، فَلأَنَّ سَيِّدَ هَذَا الْعَالَمِ قَدْ صَدَرَ عَلَيْهِ حُكْمُ الدَّيْنُونَةِ." (يوحنا ١٦: ١١).
[2] "إلّا أنَّ الموتَ قد سادَ على الناسِ منذُ زمنِ آدمَ إلى زَمنِ موسى. وقد سادَ الموتَ حتّى على الذينَ لمْ يُخطِئوا على طريقةِ آدمَ الذي خالفَ وصية الله، وآدم صورةٌ للمسيح الآتي".
لقد أزال المسيح الحاجة إلى الخطيئة، أنهى طغيان الشيطان، وجعل الموت غير ضار، ولكنه لم يلغِ الخطيئة، ولا الفعل الشيطاني، ولا الموت الجسدي، ولا بشكل عام عواقب الخطيئة، حتى لا ننكر الإرادة الحرة التي هي السبب. على المستوى المادي، يبقى العالم الساقط خاضعًا لمنطقه الخاص. ولهذا السبب أيضًا، يصيب المرض الواحد والآخر على نحو مختلف، ما يتّضح بخاصةٍ عن حلول وباءٍ ما: فبحسب تركيبة الناس الجسدية الفردية، يصيب الوباء بعضهم ويستثني بعضهم الآخر؛ يؤثر على نحوٍ طفيفٍ على بعضهم، وعلى نحوٍ خطيرٍ على بعضهم الآخر، ويجعل بعضهم يموت ويترك بعضهم الآخر على قيد الحياة؛ ويقتل مراهقين ويستثني مسنّين. سوف يتم ترتيب كل الأشياء كما يجب في نهاية الأزمة "سماء جديدة وأرض جديدة" حيث ستتم استعادة النظام وانسجام الطبيعة التي دمّرتها الخطيئة في وضع جديد للوجود، عُلويّ – سماوي، حيث سيتنعم الصالحون بالخيرات الأبدية التي وعدنا بها المسيح. الإنسان الذي يعيش مع المسيح في الكنيسة، حيث يوجد ملء النعمة، يحصل على "مواهب الروح". على وتيرة هذا الهدف الروحي لا يعود للخطيئة والشيطان والموت والفساد من سلطة عليه، ولا يمكن أن تؤثر عليه، وهو تاليًا حُر روحيًا. لكن عدم الفساد والخلود لن تصبح حقيقية للإنسان إلّا بعد القيامة العامة والدينونة.
مع ذلك، حصلنا على تذوق مسبق للنظام والانسجام بين الإنسان والخليقة، مرةً أخرى، بميلاد المسيح، عند ميلاد خالق الخليقة، كانت كلها حاضرة، وقد أخذت نعمة من ابن الله وكلمته الصائر إنساناً. تشمل عبارة "الخليقة": الحيوانات، المغارة، المذود، الجبال، السماء والإنسان وغيرها. تظهر أيقونة الميلاد كل الخليقة تتسلم نعمة من المسيح. يظهر المسيح في وسط الأيقونة، وهو مصدر النعمة غير المخلوقة، ومنه تفيض قوة الله المقدسة والمُؤَلِّهة.
عند ميلاد المسيح، كل الخليقة تمجد الله خالقها. إنها تشهد بأن المسيح كإله هو صانع الخليقة وأن الخليقة هي عمل يديه. قلنا سابقاً أن كل الخليقة أخذت نعمة من الله عند لحظة الميلاد. علينا أن نميز بوضوح أنه فيما قوة الله هي واحدة، إلا إن لها صفات مختلفة بحسب تأثيراتها. وهكذا، نحن نتحدث عن قوة مقدسة ومؤلِّهة، أو يمكننا أن نتحدث عن قوة الله التي تهب الكيان وتمنح الحياة وتضفي الحكمة وتقدس. في هذا الإطار علينا أن نشدد على أن الخليقة كلها تشارك في قوة الله التي تهب الكيان وتمنح الحياة.
إذًا مع ميلاد السيد المسيح، ابتدأت الخليقة مجددًا بتلقي النعمة وذلك لسبب وحيد فقط، وهو نتيجةً لسكنى النعمة المُقدِّسة في الإنسان مجددًا بعد أن خفَّ سطوعها من بعد السقوط. هذه النعمة التي تُعيد الإنسان إلى حالته الفردوسية التي كانت من خصائصه الّا وهي التناغم مع كل المخلوقات. (ق. جيراسيموس، ق. سيرافيم ساروفسكي، ق. فرنسيس الأسيسي، أنطونيوس البدواني...)
والأن ما دورنا ككنيسة؟
نحن في زمنٍ يكثر فيه التعدي على الخليقة التي هي عطية مجانية من الله، هناك محاولات خجولة للحفاظ على الخليقة. الله، كما ذكرنا سابقًا، لم يخلق عالمًا فاسدًا إنما الإنسان وبسبب أنانيته أفسد العالم. كل تشويه للخليقة وتدمير هو جريمة ضد أنفسنا وضد الله. إعتقد الإنسان أن الخليقة ملكه ووقفًا له متناسيًا قول صاحب المزامير "للرب الأرض وكل ما فيها، المسكونة وجميع الساكنين فيها".
الحفاظ على الخليقة لا نتعلمه، بل نعيشه من خلال جهادنا الروحي، وموسم الخليقة الذي نحتفل فيه في هذه الأيام مناسبة لنشكر الله على كل ما أعطانا من خيرات.
الكنيسة لا تستطيع أن تحل المشكلة البيئة، لكنها تستطيع أن تساند مَن يقف في وجه الدمار البيئي الذي يصنعه الإنسان وبخاصة توعية المؤمنين لحماية الخليقة وأهميتها والاعتناء بها حتى تصل إلى كمالها وتتحرر من عبودية الفساد يجمعها الله إليه وتخلص به. نذكر على سبيل المثال البطريرك المسكوني برثلماوس الذي يُلقب بالبطريرك الأخضر بسبب دوره ودعوته عالميًا من أجل الحفاظ على البيئة.
الكنيسة هي الصوت الصارخ في برية هذا العالم الملّوث، تدعو الإنسان إلى تغيير سلوكه تجاه الخليقة بأسرها فلا يجوز أن يتصرف بها كما يهوى قلبه ويسخرها لإرادته ولأهوائه. الكنيسة هي الحارس والساهر والوارث الأمين لعطية الله، واجبها أن تقف في وجه الظلم البيئي إضافة إلى الظلم الاجتماعي والأخلاقي.
نحتاج إلى توبة حقيقية التي هي الطريق الوحيد لعودة الوصال مع الله والخليقة. والتوبة في المفهوم الأرثوذكسي تعني التغيير، تغيير الذهن، أن يتحول الإنسان ويعود إلى حالته الطبيعية، هي تغيير شامل لحياة الإنسان وتجديد للذهن كما يقول الرسول بولس في رسالته إلى أهل رومية "تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم".
علينا أن نطلب رحمة الله للخطايا التي ارتكبت وترتكب ضد العالم الذي نعيش فيه. يعني أن نتحول، أن نعود إلى ذواتنا ونتصالح مع أنفسنا ومع بعضنا البعض ومع الخليقة بأكملها.
نحتاج إلى توبة شخصية وجماعية وأيكولوجية، نحتاج أن نتصالح مع الخليقة التي تئن وتصرخ "ماذا فعلتم بي". المطلوب أن نعتني ونحافظ على الخليقة لا أن نهيمن عليها. نحتاج إلى أخلاقيات وثقافية إنسانية مسيحية حقيقية.