جماعة التطويبات تزرع الأمل في بيروت
الأب رشاد جابر: رجاؤنا هو أن نعيش قيم المحبّة والأخوّة والتسامح ومناصرة الآخر
تحقيق ايليا نصراللّه
"شعرنا بهزّة في مبنى الدير، وبدأت الاتّصالات تنهال علينا، لم يكن أحدًا يعرف ما حصل الّا حين علمنا خبر الكارثة من خلال الأخبار على شاشات التلفزة. إذْ، بدأت الفيديوهات تصلنا على أجهزتنا الخليويّة، لم نكن نصدّق ما كنّا نراه، مشاهد رعب ودمار! ففي اللّحظات الأولى ظنّ الجميع أنّها أخبار مزيّفة لكننا وقعنا تحت هول الصدمة حين تأكّدنا من صحّة المعلومات!". هكذا كانت لحظات الذعر الّتي مرّ بها الأب رشاد جابر، كاهن في دير جماعة التطويبات في غرزوز، جبيل- لبنان، ذكريات تضاف إلى سلسلة الروايات المؤلمة الّتي عاشها اللّبنانيّون في الرّابع من آب/ أغسطس 2020.
شبح الدمار لم يترك أي حيّ في بيروت على حاله، فالكارثة دمّرت العاصمة بشكل هائل وأصابت أبناءها معنويًّا وجسديًّا. لذلك هبّت الجمعيّات الخيريّة والمنظمّات الإنسانيّة المحليّة والدوليّة لإنقاذ هذا الشّعب الجريح. لكن حضور المؤسّسات والجماعات الكنسيّة كان ملحوظ أيضًا ميدانيًّا، فعلى سبيل المثال، شاركت جماعة التطويبات في عمليّات الإغاثة ووقفت إلى جانب المتضرّرين لمساندتهم. إذْ، يروي لنا الأب رشاد جابر الّذي عاش ذكريات مؤلمة على إثر الإنفجار، كيف واجهت هذه الجماعة تداعيات الفاجعة وكيف قامت بدعم البيروتيّين.
جماعة التطويبات: رسالة أمل ورجاء
في البداية لا بدّ من أن نسلّط الضوء على هذه الجماعة الّتي تأسّست في السبعينات في فرنسا وفي الثمانينات في لبنان. عن رسالتها الرّوحيّة والإنسانيّة؛ يوضح الأب رشاد أنّ دعوتها الأساس تكمن في حياة الصلاة والتأمّل والحياة المشتركة بين مجموعة من الرّاهبات والرّهبان والعلمانيّين. كما أشار إلى رسالتها المتعدّدة الأوجه في العالم، ففي الفيتنام مثلًا تملك هذه الجماعة مدرسة مجانيّة، وفي أفريقيا مستشفى شبه مجّانيّ، وفي لبنان مركزًا لاستقبال الأفراد والجماعات والرياضات الروحيّة... ومكتبة روحيّة... إضافةً إلى أنّها تنقل الصّلوات والرياضات الرّوحيّة افتراضيًّا وعلى مواقع التواصل الإجتماعي بسبب تفشّي فيروس كورونا. أمّا عقب انفجار بيروت، فلفت الأب رشاد أنّ الجماعة تقوم بمساعدة جميع اللّبنانيّين المتضرّرين جرّاء الكارثة أو بسبب الأزمات الإقتصاديّة الصّعبة، وذلك من خلال الإمكانات المحدودة الّتي تملكها.
مساعدات إنسانيّة على مختلف الأصعدة
تابع الأب رشاد حديثه واصفًا المهام الّتي قامت بها جماعة التطويبات في بيروت المنكوبة، فكانت الاستجابة الأوّليّة الّتي تُرجمت بتنظيف الشّوارع والبيوت من شظايا الزجاج والركام... وعرض المرحلة الثانيّة، حيث جال متطوّعو الجماعة، بعد قرابة الأسبوع، بالتّعاون مع العمل الرعوي الجامعي وبطريقة عشوائيّة على المنازل المتضرّرة كزيارة تعزية ومواساة للاطمئنان على الأفراد والعائلات. وأضاف جابر أنّ الجماعة استمرّت بهذه المبادرة من خلال تنظيم الزيارات لتطال أكبر عدد من السكّان في الأحياء المحدّدة من قبل رعيّة مار مخائيل الّتي لحقت بها خسائر جسيمة. كما لفت إلى جلسات الإصغاء الروحي والنفسي الّتي قام بها مع مجموعة من الآباء اليسوعيّين... والمتخصّصين في علم النفس لمعالجة عوارض ما بعد الصّدمة الّتي ما زال يعاني منها الكثير من المتضرّرين، حتّى بعد مرور أكثر من 100 يوم على الإنفجار. وشرح أنّ بعض الحالات تتطلّب زيارات عدّة كي تتعافى بشكل أفضل.
من جهّة أخرى، أشار الأب رشاد إلى حملات التبرّع الّتي قام بها أصدقاء جماعة التطويبات بمفردهم، حيث اتّصلوا من مختلف أنحاء العالم من أجل تقديم مساعداتهم ومساندة الشّعب اللّبنانيّ الحزين. إذْ، من خلال الإمكانات الضئيلة الّتي تملكها والمبالغ الماليّة الصغيرة الّتي حصلت عليها من الأيادي البيض، استطاعت الجماعة أن تشارك في عمليّة ترميم النوافذ والأبواب... لكن شدّد جابر أنّه حتّى اليوم ما زال هناك بيوت كثيرة متضرّرة بشكل هائل وغير جاهزة للسكن فيها، "كأنّ الإنفجار وقع أمس" على حدّ تعبيره. ففي ظلّ الأزمات الإقتصاديّة حتّى العائلات الميسورة لم تتمكّن من إعادة تأهيل منازلها.
حضور الكنيسة ميدانيًّا: مصدر قوّة للمتضرّرين
رأى الأب رشاد أنّ دور الكنيسة اليوم يتجسّد في أوجه عدّة. إذْ، نوّه بالمبادرات الّتي أطلقتها بطريركيّات ومطرانيّات بيروت عقب انفجار المرفأ، وذلك بغياب تامّ للدولة؛ فمن ناحية ذكر جابر عمليّة إعادة ترميم وتأهيل المنازل الّتي ما زالت مستمرّة حتّى اليوم، على الرّغم من الأضرار الهائلة الّتي لحقت بكنائس بيروت والمؤسّسات التابعة لها. ومن ناحية أخرى، أشاد بحضور الكنيسة معنويًّا وروحيًّا من خلال زيارات التعزية والمواساة الّتي يتابعها الكهنة والرّاهبات والرّهبان وحتّى العلمانيّين لبلسمة جروح المتضرّرين. واعتبر الأب رشاد أنّ البيروتيّين بحاجة ماسّة إلى هذا الحضور الروحيّ كي يخفّف من حزنهم وألمهم الشديدين.
أنهى الأب جابر حديثه قائلًا "الأمل الحقيقي يكمن في عملنا على الأرض وفي اختبارنا الإنساني والروحي، فالربّ حاضر دائمًا معنا في كلّ الأزمات الشخصيّة والجماعيّة الّتي نمرّ بها"، وأضاف "رجاؤنا مرتبط في السّماء، في موطن القدّيسين؛ رجاؤنا هو أن نعيش قيم المحبّة والأخوّة والتسامح والوقوف إلى جانب الآخر". ومن هنا أعرب جابر عن اندهاشه وفرحه أمام مشاهد اللّبنانيّين الّذين يبذلون جهودهم من أجل مساعدة إخوتهم وحتّى الفقراء الّذين يتقاسمون حاجاتهم اليوميّة ويوزعونها على بعضهم بعضًا.
دائرة التواصل والعلاقات العامة