من ذاكرة مجلس كنائس الشرق الأوسط: كلمة غبطة البطريرك يوحنا العاشر في الجمعيّة العامة الـ11 للمجلس
في رحلتنا المسكونيّة نحو الجمعيّة العامة الـ12 لمجلس كنائس الشرق الأوسط الّتي ستنعقد بين 16 و20 أيّار/ مايو 2022 بضيافة كريمة من قداسة بابا الإسكندريّة وبطريرك الكرازة المرقسيّة تواضروس الثّاني في القاهرة، مصر، تحت عنوان "تشجّعوا! أنا هو. لا تخافوا!" (متّى 14: 27)، لا بدّ من تسليط الضوء تباعًا على محطّات، مقتطفات، كلمات، إصدارات وصور من الجمعيّات العامّة السّابقة للمجلس.
تجدون في التالي كلمة غبطة البطريرك يوحنا العاشر، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الأرثوذكس ورئيس مجلس كنائس الشرق الأوسط عن العائلة الأرثوذكسيّة الأنطاكيّة في الجمعيّة العامة الـ11 للمجلس الّتي إنعقدت بين 6 و8 أيلول/ سبتمبر 2016 في عمّان، الأردن، تحت عنوان "إحمدوا الربّ لأنّه صالحٌ إلى الأبد رحمته" (مزمور 136: 1).
أصحاب القداسة والغبطة،
حضرة الأب ميشيل جلخ أمين عام مجلس كنائس الشرق الأوسط،
أيها الحضور الكريم،
من كنيسة أنطاكية الأرثوذكسيّة سلام قيامة للجميع ومن دمشق مقر كرسينا تحيةٌ ومحبةٌ للأردن ولكم إخوتي المشاركين في هذا الإجتماع. جئنا من دمشق، حاملين معنا عبق ياسمينها الّذي يفوح على كلّ بلاد الشام. جئنا من دمشق، من سوريا الجريحة، الّتي ورغم كلّ محنها، تفوح محبةً للبنان والأردن وفلسطين الغالية والعراق ومصر وكلّ بلدٍ وبقعة في الشرق الأوسط وفي هذا العالم.
ما أجمل أن يجتمع الإخوة معًا. هكذا رنّم كاتب سفر المزامير وهكذا نقول نحن اليوم: ما أجمل أن نجتمع اليوم كلّنا سويّة في جوار نهر الأردن الخالد الّذي يزين ويروي أرض المسيحيّين الأوائل. نجتمع في أيّام ينوء فيها إنساننا المشرقي، وهو الآتي من كلّ الأعراق والأديان، تحت سندان الضيق والشدة والتهجير والقتل والإرهاب. نجتمع في أيّام يدفع فيها كثيرون ومنهم المسيحيّون المشرقيّون تحديدًا ضريبة الدمار وسوء إستخدام الدين وزيف امتطاء حقوق الإنسان للفتك بالإنسانيّة. نجتمع في كنف الأردن لنكون صوتًا "صارخًا في برية" المصالح، صوتًا صادحًا وصادعًا بآلام شعبنا في سوريا بمهجريه وشهدائه وأطفاله لنقول: يكفينا إرهابًا وتكفيرًا، نريد أن نحيا بسلام.
نجتمع اليوم في مجلس كنائس الشرق الأوسط عائلة واحدةً تجاوزت كلّ شيء ونظرت فقط إلى وجه يسوع المسيح. نقول للعالم من هذا المكان إن مسيحيّي الشرق قطعة من قلب الشرق وهويّته وهو أيضًا قطعة من كبدهم. نقول هذا وندمغه بختم إنفتاحنا وطيب علاقتنا وإخوتنا المسلمين الّذين نتشاطر وإيّاهم عيشًا واحدًا وأخوّة حقَّ رغم كلّ نوازل وصواعد التاريخ. نقول هذا وفي قلبنا مطرانا حلب يوحنا إبراهيم وبولس يازجي الّذي تعاجز الجميع عن إطلاقهما وكشف مصيرهما العالق بين ترهات الزمن منذ أكثر من ثلاثة أعوام. نحن اليوم في أكبر تجمع لمسيحيّي الشرق والمطرانان غائبان عنا وشعبنا يهجر تحت وطأة إرهاب لم يوفّر لا مسجدًا ولا كنيسة ولا إمامًا ولا كاهنًا. نحن هنا لنرفع الصوت ضدّ ما يجري من إستهداف للمسيحيّين ولغيرهم في أكثر من بقعة في هذا الشرق. نحن نعرف ما آل إليه وضعهم في العراق. وندرك وضعنا في سوريا. نحن هنا لنُسمع صرخة أهلنا في حلب ومحردة وغيرها. إن كلّ ما يجري لن يزيح من قلبنا إلتصاقًا بأرضنا ودفاعًا عنها. ونحن هنا لنطرح أمام مسامع العالم قضيّة الوجود المسيحي في الشرق الأوسط ولنقول: نحن لسنا رواد حماية بل طالبي سلام.
مجلس كنائس الشرق الأوسط هو صورة لتضامننا كمسيحيّين ومنبرٌ نُسمع فيه صوتنا إلى العالم. وهذا المجلس هو نموذج إنفتاح تواجه فيه المسيحيّة المشرقيّة كلّ منحى للإنغلاق مع الحفاظ التام والكامل على الإرث الكنسيّ الحضاري لكلّ مكوّن من مكوّناته. نحن مدعوّون جميعًا إلى تفعيل دوره وتعزيزه ليكون دومًا صوتًا للمسيحيّة المشرقيّة في دنيا الحاضر.
إنّ همّ المسيحيّة هو همّ الإنسان وهم الوطن. ومن هنا دعوتنا لإنهاء المأساة الدائرة في سوريا وإيجاد حلّ سلميّ ودعوتنا أيضًا من أجل إنتخاب رئيس للبنان يضمن سير عمل المؤسّسات الدستوريّة ومناشدتنا الجميع بذل الجهود لتدعيم سلام العراق وسائر بلدان الشرق الأوسط.
نصلّي من أجل أن يوفق اللّه جهودنا جميعًا. وندعو أن يوفّق اللّه الأردن العزيز وجلالة الملك عبداللّه بن الحسين إلى ما فيه خير إنسانه وخير جواره. فليبارك اللّه هذا الشرق بكلّ بلدانه وليعطه والمسكونةَ أجمع فيضًا من نوره القدّوس وليملأ قلوبنا نحن المجتمعين هنا بوافر رحمته الإلهيّة.
البيان الختامي للجمعيّة العامّة الحادية عشرة لمجلس كنائس الشرق الأوسط