من ذاكرة مجلس كنائس الشرق الأوسط: كلمة قداسة البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني في الجمعيّة العامة الـ11 للمجلس
في رحلتنا المسكونيّة نحو الجمعيّة العامة الـ12 لمجلس كنائس الشرق الأوسط الّتي ستنعقد بين 16 و20 أيّار/ مايو 2022 بضيافة كريمة من قداسة بابا الإسكندريّة وبطريرك الكرازة المرقسيّة تواضروس الثّاني في القاهرة، مصر، تحت عنوان "تشجّعوا! أنا هو. لا تخافوا!" (متّى 14: 27)، لا بدّ من تسليط الضوء تباعًا على محطّات، مقتطفات، كلمات، إصدارات وصور من الجمعيّات العامّة السّابقة للمجلس.
تجدون في التالي كلمة قداسة البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والرئيس الأعلى للكنيسة السريانيّة الأرثوذكسيّة في العالم أجمع ورئيس مجلس كنائس الشرق الأوسط عن عائلة الكنائس الأرثوذكسيّة الشرقيّة في الجمعيّة العامة الـ11 للمجلس الّتي إنعقدت بين 6 و8 أيلول/ سبتمبر 2016 في عمّان، الأردن، تحت عنوان "إحمدوا الربّ لأنّه صالحٌ إلى الأبد رحمته" (مزمور 136: 1).
الإخوة الأعزاء أصحاب الغبطة والنيافة والسعادة والسيادة، الإخوة والأخوات.
نشكر اللّه ونحمد الرّبّ الصالح الّذي برحمته الأبديّة ومحبّته الفائقة الوصف جمعنا نحن خدّام شعبه في هذا اليوم المبارك لنتذكّر معًا رسالتنا الواحدة، وهي خدمة العالم، خدمة أبناء الكنيسة ومنهم خارج الكنيسة أيضًا، وخاصّةً في هذه الأيّام الصعبة والظروف العصيبة الّتي نعيشها في هذا المشرق العزيز.
هنا في مدينة المحبّة الأخويّة، فيلادلفيا عمّان، نجتمع لنتذكّر ونُذكّر أنّ اللّه محبّة وأنّ كلّ ما يعمل باسم هذا الإله المحبّ يجب أن تكون حياته إنعكاسًا لكلمة اللّه، أن يكون دستوره المحبّة ومنهجه الرحمة. ومن يسير في هذا الدرب لا يقصي الآخرين، لا يكفّر الآخرين بل يجمع الجميع بمحبّة أخويّة كأبناء وبنات للّه الآب الواحد الأحد الّذين نعبده جميعًا.
في هذه المدينة المباركة نجتمع ونقدّم شكرنا الجزيل لصاحب الغبطة البطريرك ثيوفيلوس، بطريرك القدس، المدينة المقدّسة، الّذي استضافنا، وللشعب الأردني الطيّب وعلى رأسه جلالة الملك عبداللّه الثاني.
نجتمع هنا شهادة منّا على روح المحبّة والتآخي الّتي تسود هذا البلد، والتسامح الّذي يشعر به أبناء هذا البلد من مسيحيّين ومسلمين. تلك الروح الّتي عشناها في بلادنا لقرون عديدة ولكنّها إهتزّت مؤخّرًا، بسبب تدخّلات خارجيّة أيقظت نعرات شديدة وزعزعت أركان بلادنا، لا بل أدّت إلى هجرة الملايين من أبنائنا من المسيحيّين والمسلمين الّذين لا يستطيعون أن يعيشوا في ظلّ هذه الأحداث الدامية المؤآتية علينا بسبب إرهاب نَبع من أفكار وأيدولوجيّات تكفيريّة لم نعرفها يومًا في الماضي.
نعم، حياتنا لم تكن كلّها راحة فالمناغصات موجودة دائمًا من وقت إلى آخر ولكنّنا إعتدنا أن نعيش معًا مسلمين ومسيحيّين نحترم الواحد الآخر. أمّا اليوم، فهذا العيش الواحد أمامه تحدّيات كثيرة تكاد أن تقضي عليه. ولذا المطلوب وقفة قويّة من الجميع لتأكيد هذا العيش ولإزالة مسبّبات التفرقة الّتي تحدث اليوم والّتي تجعل منّا وتشعرنا بأنّنا غير مرغوب فينا في هذه المناطق. وما يجعلها أسوء هو الترحيب الكبير الّذي نلقاه اليوم ولم نعتد عليه في الماضي من دول أوروبيّة وغيرها، مستعدّة لقبول أبنائنا، كأن مصالح هذه الدول قد إلتقت بمصالح المنظّمات الإرهابيّة في أن يفرّغ هذا الشرق من مسيحيّيه وهم الّذين وجدوا فيه قبل وجود الإسلام وقبل وجود المسيحيّة، فهم من نشأ في هذه الأرض منذ بداية التاريخ. أحبائي، في هذا اللّقاء المبارك إسمحوا لنا أن ننقل إليكم آلام شعبنا في سوريا وفي العراق وفي تركيا وفي لبنان وفي كلّ شبر من هذا الشرق. ولكن أيضًا ننقل إليكم آمالهم بأن يكون هذا الاجتماع إجتماعًا موفّقًا فيه توضيح وتأكيد لا لبس فيه على حقوقنا، كمكوِّن تاريخي أساسي في هذه الأرض. نريد أن نعيش مع الآخرين، الإخوة لنا، بمحبّة وبتفاهم وبإتّفاق وبسلام.
ننقل إليكم آلام أبنائنا الّذين يقضون في البحار وهم في طريقهم إلى ما يظنّون بأنّه خلاص ورفاهيّة. ننقل إليكم آلام مطرانَينا العزيزَين. بولس يازجي وغريغوريوس يوحنا إبراهيم ونحن اليوم في السنة الرابعة لإختطافهما، فنطلب منكم أن تصلّوا من اجل عودتهما سالمَين، وكذلك المخطوفين.
ننقل إليكم آلام ذلك الطبيب، طبيب العيون الّذي أراد أن يحبس نفسه في بهو، في قبو بنايته، فنزل مع عائلته في مدينة الحسكة منذ أسبوعين وهناك جاءته القذيفة وقد أحرقته وامرأته وقد أودت الزوجة منذ أيّام وهو على سرير المستشفى ينتظر فرجًا إلهيًّا. ننقل إليكم آلام العائلات الّتي تبدّدت وتفرّقت، الأطفال الّذين ماتوا وهم لم يعيشوا من حياتهم إلّا الطفولة حتّى تك الطفولة سُلبت منهم بإسم الحريّة وبإسم الديمقراطيّة وبإسم حقوق الإنسان وبإسم وبإسم وبإسم.
إنّ هذا الحضور الكريم وهذا المجلس الموقّر الّذي سيجتمع لمدّة ثلاثة أيّام هو محطّ أنظار أبنائنا في كلّ مكان الّذين يصلّون من أجله وخاصّة من نذكرهم أبناء كنيستنا الأنطاكيّة السريانيّة الأرثوذكسيّة، فهم يرافقوننا اليوم بالصّلاة من أجل أن يكون هذا اللّقاء لقاءً بمعنى يؤثّر في حياتهم ويقدّم لهم الدعم الروحي اللّازم ليظلّوا متشبّثين في أرض آبائهم وأجدادهم.
لذلك حقّ علينا أن أسأل نفسي وأسألكم جميعًا: ما هو دور هذا المجلس في حياة كنائسنا اليوم؟ هل يقوم بما يجب أن يقوم به؟ وبكلّ صدق أقول، ومن منطلق حياتنا في سوريا، لا دور للمجلس عندنا في سوريا. نكاد لا نسمع بوجود مجلس كنائس الشرق الأوسط في سوريا، خاصّة في هذه الظروف الصعبة الّتي نعيش فيها والّتي يجب أن يظهر فيها المجلس أكثر بكثير من باقي الأيّام ليقوم بعمل الإغاثة، بتثبيت وتجذير المسيحيّة في سوريا. أنا آسف أن أقول أنّنا لا نعلم عنه الكثير.
اليوم تأتينا الوفود بعد الوفود لتزورنا في سوريا، وفود خاصّة سياسيّة وحكوميّة، ولكن أين هي تلك الكنيسة الّتي تأتي؟ أين مجلس الكنائس العالمي؟ أين مجلس كنائس الشرق الأوسط؟ أين الوفود الكنسيّة المسيحيّة لتأتي وتزور وتقف معنا في هذه الظروف الصعبة؟ نفتقدها، حقًّا نفتقدها.
أحبّائي، نصلّي اليوم من أجل نجاح هذا الاجتماع، أعمال الجمعيّة الحادية عشرة، نصلّي من أجل سلام بلادنا العزيزة، من أجل العدل والحريّة لكافة أبناء هذا المشرق، لنعيش معًا إخوة متحابين نبني معًا بلادنا الّتي دمّرها الحرب والإرهاب، حضارتنا الّتي عمرها آلاف السنين وهي اليوم تغتصب. نصلّي من أجل أن نكون جميعًا أدوات خير بيد ربّنا الإله الصالح، فنعمل ما نستطيع عليه من أجل منفعة وخير بلادنا. شكرًا.
البيان الختامي للجمعيّة العامّة الحادية عشرة لمجلس كنائس الشرق الأوسط