الأصوليّة والتطرّف و دور الكنيسة

Dr. Michel Abs, MECC Secretary General .jpg

د. ميشال أ. عبس

الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط

الأصوليّة هي منحى فكري يُخضع الأفراد والجماعات إلى المنظومة الكاملة – معتقد وشعائر- لفكر ما دون أيّة مرونة أو أيّ قبول بالإختلاف.

يتعامل الأصوليّون مع عقيدتهم بمنطق متحجّر لا يقبل الحوار. إنه تصلُّب الحرف ضدّ الروح والعقل. ويعتبر الأصوليّون أنّ قضيتهم هي ذات بعد كونيّ وأبدي، كما يعتبرون أنفسهم مسؤولون عن مصير البشريّة عبر عقيدتهم. إضافة الى ذلك، ينظر الأصوليّون إلى المنفتحين والحوارييّن من أبناء مجتمعهم أو محيطهم على أنّهم أوّل الأعداء لهذا المجتمع.

يرى الباحثون في هذا المجال أن الأصوليّون على أنواعهم يتحلّون بنفس الخصائص الذهنيّة ونفس القيَم. وقد تبيّن أنّ كلّما تقدمت الحداثة في المجتمع كلّما ازداد الأصوليّون تجذّرًا في انغلاقهم. إضافة الى ذلك، فإنّه يتكوّن لديهم موقف دفاعيّ من كلّ ما يجري حولهم إذ يعتبرونه تهديدًا لهم كما يعتبرون أنفسهم نخبة مختارة مهمّتها إنقاذ الإنسانيّة.

ولا بدّ أنّ نلفت النظر إلى أنّ الأصوليّين ينتجون قيادات ذات كاريزما عاليّة لتقود الجماعات التابعة لها.

أمّا التطرّف فهو مجموعة الأفكار والأعمال المعتبرة خارجة عن المألوف وغير المتوافقة مع العالم الواقعي. التطرّف عقليّة تقارب الجذريّة في التفكير والعقل المنغلق.

من جهتهم، يعتبر علماء الإجتماع أنّ التطرّف يشكّل انحرافًا عن المعايير والقواعد الإجتماعيّة ويأخذ في أكثر الأحيان منحىً عنفيًا ضدّ المجتمع أو ضدّ باقي أفراد الجماعة نفسها، لذلك يشكّل التطرّف تهديدًا للإستقرار الإجتماعي والسلم الأهليّ.

ينمو التطرّف على أنواعه في المجتمعات المنغلقة غير القابلة لتفاعل الأفكار، كما ينمو في المجتمعات المأزومة التي تبحث عن حلول لمشاكلها الاساسيّة أو في المجتمعات ذات الأنظمة المتحجّرة وغير القابلة للتطوّر. إضافة إلى ذلك، يجد التطرّف أرضًا خصبَة له في المجتمعات الفتيّة المضروبة بالحرمان والأمّيّة والفقر والبؤس والتخلُّف والبطالة وما شاكلها.

 في هكذا مجتمعات لا يجرؤ التحديثيّون على التعبير عن أفكارهم خوفًا من الأصوليّة والتطرف و"بئس المصير".

على ضوء التقهقر الذي تعيشه الكثير من المجتمعات في عصرنا الحديث، والذي زادته الجائحة حدّة، ينتج التراجع الإقتصاديّ والإجتماعيّ والقيميّ بيئة خصبة لنموّ نزعات الأصوليّة والتطرّف. يشكّل هذا الواقع تحديًّا يتطلّب تدخل الكنيسة، بكافة مؤسسّاتها، من أجل التعامل معه.

عبر مهامها التربويّة والتأهيليّة والتنمويّة وعملها الوقائي في المجال الاجتماعي بمختلف أبعاده، تشكّل الكنيسة بواسطة تعاليمها ودورها الريادي والنموذج الحياتي القدوة الذي تطرحه، الردّ المباشر الوقائي والعلاجي لحالات البؤس والجهل والظلامية ونزعات التطرّف والاصوليّة التي تنتج عنهم.

الكنيسة مدعوّة لمتابعة ما تقوم به، إذ أثبتت أنّها تشكّل أفضل شبكات الأمان الإجتماعي الممكنة وأكثرها فاعليّة في هذه المرحلة من تاريخ الإنسانيّة. لقد رأينا في الكثير من حالات الإنهيار الإجتماعيّ العام كيف قامت الكنيسة بملء الفراغات المتأتيّة عن الأزمات رغم إمكاناتها المحدودة.

لقد أثبتت المحبّة انّها تستطيع أن تُطعِم الجياع وأنّ تأوي المشرّدين وأن تعالج المرضى على الرغم من الإمكانيّات القليلة!

ألمْ يفعل هكذا السيّد؟

Previous
Previous

إجتماع اللَّجنة التَّنفيذيَّة لمجلس كنائس الشرق الأوسط: دعوة للتجاوب مع حملات التلقيح ضدّ فيروس كورونا

Next
Next

فيديو - البطريرك ساكو: البابا يزور العراق في الظّروف الصّعبة ليقف مع الموجوعين