في عيد البشارة: افرحي يا مُمتَلِئَةُ نِعْمَةً الرَّبُّ مَعَكِ

بشارة-مريم-العذراء-660x330.jpg

تقرير ايليا نصراللّه

«هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ» (لو1: 38). بهذه العبارات وضعت مريم العذراء بداية لتاريخ البشريّة والمسيحيّة، فلولا طاعتها لله لكانت اتّحدت الطبيعة الإلهيّة بالطبيعة البشريّة. إذْ جاء حدث البشارة ليكون انطلاقة لمسار خلاص البشريّة والعقائد المسيحيّة كافّة حيث هيّأت مريم العذراء مجيء المخلّص والفادي من خلال قبول الدعوة الإلهيّة هذه وبالتّالي رتّبت التّصميم الإلهيّ الكنسيّ.

صحيح أنّ حبل مريم العذراء الإلهيّ في النّاصرة وتجسّد الإله في أحشائها فرض تساؤلات عدّة لدى البشريّة، لكن لا بدّ من الإشارة أنّه من الأعياد المسيحيّة الكبرى والقليلة الّتي تجمع العائلتين الأرثوذكسيّة والكاثوليكيّة بحيث تحتفلان معًا به في 25 آذار/ مارس من كلّ سنة. أمّا الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة فتعيّد له في 7 نيسان/ أبريل.

في لبنان أخذ هذا العيد طابعًا خاصًّا حيث أصبح يومًا وطنيًّا مشتركًا بين المسيحيّين والمسلمين كرّسه مجلس الوزراء اللّبنانيّ ليكون محطّة جامعة لتكريم مريم العذراء، والدة الإله المخلّص وأمّ جميع البشر. يأتي هذا العيد في خضمّ بحر من الأزمات لا أفق لنهايتها تثقل كاهل لبنان والشرق الأوسط؛ علّه يكون بداية خلاص لطالما انتظرها المشرقيّون الّذين عانوا وما زالوا يعانون على مرّ الأعوام من الخلافات والإنقسامات...  

 

بدايةً، لم يكن عيد البشارة في الكنيسة الأولى عيدًا مستقلًّا حيث كان متعلّقًا بعيد الميلاد الّذي كان بدوره مرتبطًا بعيد الظهور الإلهي. لكن تغيّرات عدّة طرأت في القرن الخامس الميلادي، حيث بدأ عيد الميلاد يأخذ طابعًا مستقلًّا عن الظهور الإلهي. لذلك كان لا بدّ من تخصيص تاريخ خاص بعيد البشارة ليُحتفل به بصلوات وقراءات لها علاقة مباشرة بمفهوم العيد ولاهوته. تزامنًا مع اعتدال الرّبيع وتساوي اللّيل مع النّهار أصبح 25 آذار/ مارس تاريخًا مخصّصًا لعيد البشارة مذّ تلك الحقبة، حيث كانت تعتبر الحضارات القديمة أنّ الله خلق العالم والبشريّة في هذا اليوم.

في سياق متّصل كان للقدّيس أنستاسيوس الأنطاكي (٥٩٩م)  كتابات حول هذا الموضوع حيث قد قال "بحكمةٍ خلق الله كلّ شيءٍ، وبترتيب وعدالة أوجد الخليقة وافتتح الزمن، وهو أيضًا أراد أن يأتي في الفترة الزمنيّة ذاتها الّتي فيها خلق الموجودات والعالم. فبعد إعتدال الربيع في 20 آذار/ مارس،... يأتي اليوم السادس الّذي خلق الله فيه الإنسان ويكون في ٢٥ آذار/ مارس. في هذا اليوم أيضًا اتّحد الله مع الإنسان بشكل كامل". أمّا عن ساعة ومكان البشارة فيشير القدّيس مكسيموس المعترف (٦٢٢م) أنّ "العذراء كانت تعيش صومًا وكانت تذهب إلى النبع سيرًا على الأقدام لتصلّي لأنّها وجدت الله ينبوع حياتها".

d8a7d98ad982d988d986d8a9-d8a7d984d8a8d8b4d8a7d8b1d8a9.jpg

كان "الحبل الإلهي" و"صيرورة الله إنسانًا أي ولادته في الجسد" من أبرز المواضيع والإعترافات الإيمانيّة التي تلتها جماعات مسيحيّة عدّة؛ وذلك قبل إبرام دستور إيمان الكنيسة في المجمع المسكونيّ الأوّل في نيقيّة عام ٣٢٥م، ومتابعته في المجمع المسكونيّ الثاني في القسطنطينيّة عام ٣٨١م. إذْ يُعتبر حدث البشارة أساس الإيمان المسيحي والخروج عن هذا السرّ ليس سوى هرطقة في المسيحيّة. كما أنّ المجامع المسكونيّة السبعة الّتي جرت في الألفيّة الأولى قد أكّدت تجسّد الإله وولادته من الروح القدس ومريم العذراء.

من جهّة أخرى يقدّم ترتليانوس (٢٣٠/٢٢٠م) في مدوّنته "جسد المسيح" مقارنةً بين حوّاء ووالدة الإله في ما يتعلّق بحدث البشارة. إذْ، يشير إلى أنّ حوّاء تجاهلت كلمة الله من خلال إصغائها إلى الحيّة وبالتّالي إلى كلمة الشيطان، لذلك سقطت. بينما السيّدة العذراء أنصتت إلى كلمة الله من خلال إصغائها إلى الملاك جبرائيل فارتفعت. إذًا إنّ تصديق الشيطان أوصل حواء والبشريّة إلى العذاب والموت، أمّا كلمة الله فأثمرت حياة جديدة مع يسوع المسيح واهب الحياة.

 

أمّا بالنّسبة لأيقونة بشارة والدة الإله فيظهر الملاك جبرائيل الّذي جاء لينقل لها البشارة مقابل السيّدة العذراء الّتي تنظر إليه بدهشة وتعجّب وبراءة متسائلة كيف يكون لها هذا وهي لم تعرف رجلًا. كما أنّ يد السيّدة العذراء تدلّ إلى طاعتها لمشيئة الله «لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ» (لو1: 38)، واللّون البنيّ في ملابسها يعني أنّها إنسان من طين مثلنا وهي تنتظر الخلاص قائلةً «تُعَظِّمُ نَفسِيَ الرَّبّ، وتَبْتَهِجُ رُوحِي بِٱللهِ مُخَلِّصِي» (لو1 :46-47). ومن أعلى الأيقونة يسقط شعاع نور وذلك للدلالة على حلول الروح القدس في أحشاء مريم العذراء. كما أن الأبنية في خلفيّة الأيقونة ترمز إلى الهيكل الّذي شهد تربية الفتاة النقيّة الّتي تمثّل العهد القديم بينما الأبنية الأخرى تدلّ إلى العهد الجديد. أمّا الوشاح الأحمر فهو يربط بين العهدين ويعني أنّنا انتقلنا مع والدة الإله من القديم إلى الجديد.

 

دائرة التواصل والعلاقات العامة


المراجع:

موقع بطريركيّة أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس: https://bit.ly/31bPdst

موقع السراج الأرثوذكسي: https://bit.ly/396q3jB

موقع وطني نت: https://bit.ly/3sdT8RB

Previous
Previous

مجلس كنائس الشرق الأوسط: الرسالة المسكونيّة وحوار الأديان

Next
Next

حملات التلقيح بدأت في الشرق الأوسط فهل النتائج مطمئنة؟