القطاع الصحّي في لبنان
إلى الهاوية درّ!
والأطفال أوّل ضحايا انهيار المستشفيات
تقرير ايليا نصراللّه
أفاق اللّبنانيّون في الأيّام الصعبة الفائتة على خبر صحيّ سارّ يتعلّق بتدابير فيروس كورونا ويتجلّى في إدراج الإتّحاد الأوروبّي للبنان على القائمة البيضاء، بحيث يُسمح الآن للمقيمين في البلاد بالسّفر غير الضروريّ إلى الدول الأعضاء في الإتّحاد؛ وذلك من دون إلزام المتّجهين إليها بالإجراءات الّتي فرضها الإتّحاد على المسافرين منذ آذار/ مارس 2020. لكن بارقة الأمل هذه تبصر النّور في ظلّ بئر من الأزمات المستفحلة الّتي أطاحت بالقطاع الصحّي والطبّي وأصابته في الصّميم، فماذا عن المواطن؟ هل بإمكانه تحمّل ضربات قاضية إضافيّة؟
اللّبنانيّ اليوم بات محرومًا من الخدمات الصحيّة والإستشفائيّة رغمًا عنه والواقع الطبيّ أصبح يهدّد حياته. والسبب؟ لا بل الأسباب ما زالت تتفاقم وتخنق المواطن يوميًّا، وباتت تحمل القطاع الصحّي من درجة متعثّر إلى منكوب، آملين الّا تصل البلاد إلى المرحلة هذه في المدى القريب.
الصحّة اللّبنانيّة تدقّ ناقوس الخطر طالبةً النجدة. واقع مرير لا بدّ من الإضاءة عليه وعلى مستجدّاته خصوصًا التطوّرات الّتي شهدتها الأسابيع الفائتة، علّ المجتمع الدوليّ والجهات المعنيّة العالميّة تتحرّك لإنقاذ وطن جريح غارق في دوّامة من الأزمات على مدى تاريخه اسمه لبنان.
روح المواطن في خطر
بدايةً، تواجه المستشفيات أزمة حادّة في نقص الأدوات والكواشف والمستلزمات الطبيّة الضروريّة للقيام بالفحوص المخبريّة وتشخيص الأمراض، من بينها فقدان مستلزمات غسل الكلى ما أدّى إلى توقّف هذه الخدمة. واقع دفع بمعظم المستشفيات اللّبنانيّة إلى الإمتناع عن تقديم خدمات صحيّة عدّة والقيام ببعض العمليّات الجراحيّة إضافةً إلى عدم إستقبال المرضى العاجزين أصلًا عن دفع مستحقّاتهم الإستشفائيّة أو مبالغ طائلة مقابل خدمات وعمليّات معيّنة. ما يزيد الطين بلّة ويؤدّي إلى تدهور هذه الخدمات يكمن أيضًا في هجرة الطواقم الطبيّة والتمريضيّة إذْ غادر 1300 طبيب البلاد في شهر أيّار/ مايو 2021، بحسب نقابة الأطبّاء في لبنان.
أمّا قطاع المستلزمات الطبيّة فيعاني أيضًا من أزمة بحدّ ذاتها حيث توقّفت معظم الشّركات عن الإستيراد وسط تعقيدات ومعوقات بين وزارة الصحّة ونقابة مستوردي المستلزمات الطبيّة ما يصعب بالتّالي تأمينها للمستشفيات. في المقابل تبذل وزارة الصحّة العامة جهودها في مواجهة موجة احتكار وتخزين الأدوية والمستلزمات الطبيّة حيث نفّذ وزير الصّحّة العامة في حكومة تصريف الأعمال د. حمد حسن عمليّات دهم عدّة لمستودعات التجّار والمحتكرين والمستوردين الّتي كانت تضمّ مستلزمات مدعومة من قبل الدولة وتمّ إخفاؤها عن المواطن.
كشفت جولات الدهم هذه فضائح وثغرات كثيرة لا سيّما في التلاعب بقيمة فواتير وأسعار المعدّات المدعومة بحسب ما أشار الوزير حسن وذلك بنسبة تتراوح بين 900 و1800% حيث قد وصلت أيضًا إلى 2847% في واحد من المستلزمات الطبيّة الّتي بلغت قيمة استيراده 3.8 دولار وبيعه في السّوق بـ 112 دولارًا. كما سجّلت مستلزمات أخرى فارقًا كبيرًا ما بين الإستيراد، على أساس سلّة الدعم، والمبيع، لتبلغ نسبة الفارق 1009% أو 1031% أو حتّى 973%.
وزارة الصحّة تتابع إجراءاتها من أجل الحدّ من أزمة المستلزمات هذه حيث قامت بالتدقيق في الفواتير المقدّمة إلى مصرف لبنان من شركات المستلزمات الطبيّة والمغروسات والكواشف المخبريّة وبمقارنتها مع أسعار المبيع. بالتّالي طالبت الشّركات ذات الصّلة المباشرة بالتسليم للمستشفيات والمراكز الطبيّة بإعادة الفارق المالي المحصّل بحجّة عدم حصول المعدّات والمواد الطبيّة المذكورة على الدعم.
أزمة صحّيّة
تعاني معظم المختبرات الطبيّة أيضًا من نقص هائل في المستلزمات المخبريّة الضروريّة لتقديم خدماتها. أمّا أزمة الأدويّة المفقودة فأثقلت بكاهلها على المواطن الّذي يسعى إلى إيجاد ولو علبة واحدة من دوائه الضروريّ. لذا نظّم أصحاب الصيدليّات وقفات إحتجاجيّة عدّة جرّاء ظاهرة شحّ الأدويّة والمنتجات الطبيّة وحليب الأطفال، متّهمين شركات الأدوية بتخزينها في مستودعاتهم من دون رقيب. الّا أنّ البعض منهم قرّر عدم الإلتزام بالإضراب لتلبية حاجات المرضى الملحّة.
أمّا الإمتناع عن تسليم الأدوية والمستلزمات الصحّيّة من قبل المستوردين فجاء بحجّة عدم صرف الإعتمادات من المصرف المركزيّ، إذْ إنّ 70% من الأدوية المفقودة موجود في المستودعات من بينها 87 نوعًا خاصًّا بمرض السّرطان والمناعة، بحسب ما أكّد رئيس لجنة الصّحّة النيابيّة النّائب د. عاصم عراجي. مشيرًا إلى أنّ الشّركات المستوردة للمستلزمات الطبيّة كانت تربح بنسبة الـ300%. مع العلم أنّ لبنان يستورد أكثر من 80% من الأدوية بالدولار الأميركيّ، الّا أنّ العملات الأجنبيّة بدأت تنفد من البنك المركزيّ. والأكثر خطورة هو أنّ البنك الدوليّ حذّر بأنّ الأزمة الإقتصاديّة في لبنان لا أفق لنهايتها، لذا تشكّل إحدى أسوأ الإنهيارات الماليّة في العالم منذ ما يقارب من 200 عام.
ضحايا الكارثة
إذًا واقع طبيّ مرير ينذر بكارثة إنسانيّة قد بدأت تلوح في الأفق لا سيّما وأنّ الموت على أبواب المستشفيات أصبح حقيقة. ميلا إبنة الـ4 أعوام والمصابة بمرض السّرطان بالدمّ توفّيت بين يدي والدتها الّتي لم تجد مستشفى يستقبلها نظرًا للإمكانات المحدودة وفقدان المستلزمات الضروريّة. تروي والدة ميلا السيّدة ماريا موسى لأحد المواقع الإخباريّة ما جرى معها في ليلة الموت المأساويّة موضّحةً بدايةً أنّ ابنتها كانت تتابع علاجها في مستشفى القدّيس جاورجيوس الجامعي (الرّوم) ومن بعدها في مستشفى آخر وذلك عقب انفجار مرفأ بيروت الّذي تسبّب بأضرار جسيمة في مستشفى الرّوم.
أمّا عن تدهور حال ميلا في تلك اللّيلة فأشارت الوالدة أنّ حرارتها ارتفعت بسبب العلاج الكيميائيّ الّذي خضعت له حيث كانت مناعتها ضعيفة. لذا "توجّهنا بها ليلًا إلى المستشفى الّتي تعالج فيه (مار يوسف الدورة)، وتبيّن أنّها تعاني التهابًا قويًّا، طلبوا لها دمًّا وحاولوا إنقاذها، لكن المستشفى غير مجهّز بغرفة عناية فائقة للأطفال فتدهورت حالتها".
من هنا بدأت "رحلة البحث عن مستشفى" على حدّ تعبيرها حيث "لم نسمع سوى الرّفض، كثيرة هي الحجج، منها لا يوجد أسرّة فارغة، أوقفنا استقبال المرضى، لا مجال اللّيلة أبدًا. لم نترك مستشفى جامعيّ في البداية، كلّهم نفضوا أيديهم"، بحجّة عدم استقبالهم للمرضى على حساب الضمان الإجتماعيّ التابع للدولة. وذلك على الرّغم من أنّ عائلة ميلا أبدت استعدادها لدفع أي مبلغ قد يساعد في استقبالها لكن باءت هذه المحاولة بالفشل.
على الفور قرّرت العائلة البحث في مستشفيات أخرى أقلّ تطورًا لكن بات السيناريو عينه يتكرّر، فحاولت السيّدة ماريا بالتّالي إيجاد حلّ آخر عبر الوساطات حتّى نجحت في إيجاد سرير في إحدى المستشفيات في بيروت الّا أنّه رفض استقبالها ليلًا وطلب منها الإنتظار حتّى الصّباح. لذا لم يصمد جسد ميلا الضعيف وفارق الحياة على إثر كلّ هذا المجهود.
للأسف تضاف رواية ميلا المؤلمة هذه إلى سلسلة القصص المأساويّة الّتي شهدتها العديد من العائلات اللّبنانيّة على أبواب المستشفيات، فهل من يسمع هذه المعاناة؟
مساع دوليّة ومحليّة للإنقاذ
في ظلّ الواقع الصحّيّ الكارثيّ الّذي يعاني منه اللّبنانيّون والمقيمون في لبنان تشهد البلاد مبادرات طبيّة عدّة قد تسهم ولو بنسبة صغيرة في تطوير الخدمات الطبيّة. على سبيل المثال أعلن الطبيب اللّبنانيّ المقيم في أفريقيا وممثّل الاتّحاد الأفريقيّ للرّعاية الصّحيّة د. محمد الساحلي عن مبادرة طرحها المغتربون اللّبنانيّون قد ترمي إلى الإستثمار في القطاع الإستشفائيّ عبر رفع قيمة أسهم المستشفيات وعرضها للبيع بنسبة 20% إضافيّة ما يعني رفع قيمة الأسهم إلى 120% على رأس المال تموّل بالمال الخارجيّ. بذلك يشارك اللّبنانيّون في الإنتشار بمساعدة وطنهم لبنان في عمليّة تحسين القطاع الإستشفائيّ المتعثّر.
من جهّة أخرى، إفتتح مستشفى "بيروت الحكوميّ الجامعيّ" في منطقة الكرنتينا وحدة جديدة للمناظير حيث تمّ تجهيزها بمعدّات ومناظير حديثة للرّئتين والقصبة الهوائيّة والمعدة والإمعاء، وذلك بدعم من مؤسّسة "التعاون - لبنان". وتجدر الإشارة أنّ مستشفى الكارنتينا قد لحق به أضرار جسيمة وهائلة جرّاء انفجار مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس 2020 ويُعتبر "ملجأً حيويًّا للفقراء والفئات المهمّشة في لبنان" على حدّ تعبير رئيس الهيئة الإداريّة في مؤسّسة "التعاون" فؤاد بوارشي.
كذلك، عقد وزير الصّحّة العامة د. حمد حسن اجتماعًا مع السّفير التونسي في لبنان السيّد بوراوي الإمام بهدف تناول " التحدّيات الصّحيّة المطروحة في ظلّ جائحة كورونا"، حيث ناقش معه أيضًا سُبل التعاون في مجال البحوث العلميّة والإستفادة من الخبرات المتبادلة لا سيّما على صعيد قطاع الأدوية، إضافةً إلى مشاريع مشتركة مستقبليّة. كما التقى حسن وفدًا من تجمّع شركات الأدوية العالميّة Pharma Group للبحث معه في تأمين هبة لوزارة الصّحّة من أجل تطبيق البطاقة الصحّيّة الدوائيّة. وذلك في إطار خطّة وضعتها الوزارة بهدف مكننة استيراد الدواء وتتبعه حتّى صرفه عبر بطاقة صحّيّة إلكترونيّة للمواطنين اللّبنانيّين، حيث تسهم البطاقة أيضًا في مراقبة الدواء ووضع حدّ لتهريبه واحتكاره.
دائرة التواصل والعلاقات العامة
المراجع:
موقع Lebanon 24:
موقع الجمهوريّة:
موقع MTV Lebanon:
موقع نداء الوطن:
موقع العين الإخباريّة:
موقع النهار: