بعد إنفجار مرفأ بيروت أطفال لبنان في خطر ومهدّدون بالأعظم
اليونيسف تحذّر: أكثر من 30% من الأطفال ينامون جائعين
هذا التقرير متوفّر أيضًا باللّغتين الإنكليزيّة والإسبانيّة.
©سكاي نيوز عربيّة
تقرير ايليا نصراللّه
"منذ ذلك الحين، ازداد الوضع سوءًا"، بهذه العبارات يصف المدير الإقليميّ لمنظّمة اليونيسف في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تيد شيبان الظّروف المعيشيّة الّتي يشهدها لبنان اليوم. منذ تلك اللّحظة المأساويّة عند السّادسة وسبع دقائق وقعت عاصمة لبنان في قعر الهاوية وبات ما تبقى من هذا الوطن بانتظار الإنهيار المدويّ. فماذا حلّ بأطفال لبنان وماذا ينتظرهم؟
ألكسندرا نجّار، ضحيّة إنفجار بيروت
باختصار، ومن دون تجميل للواقع لبثّ جرعات تفاؤل لم تعد تجدي نفعًا، أطفال لبنان ليسوا بخير، فأكثر من 600 ألف طفل تأثّروا بشكل مباشر أو غير مباشر من إنفجار 4 آب/ أغسطس 2020 المشؤوم الكارثيّ. هذا ما أكّده شيبان في مؤتمر صحافيّ عقدته منظمة اليونيسف في 3 آب/ أغسطس الجاري في حديقة الكرنتينا العامة. من دون أن ننسى وبحسب ما ذكّر البيان الصحفيّ الصّادر عن المنظّمة أنّ "التفجير أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص، بينهم 6 أطفال، وإصابة أكثر من 6500 شخص، بينهم 1000 طفل".
كُثر هُم الأطفال النّاجين في آب/ أغسطس 2020 وما زالوا يعيشون في يأس مستمرّ. لكن كيف يمكن للعائلات اليوم حمايتهم والحفاظ على حقوقهم وهم أصلًا عاجزون عن تأمين أساسيّات العيش الكريم؟
الأرقام وحدها تثبت مدى خطورة الظّروف المعيشيّة في لبنان. صدّقوا أنّ أكثر من 30% من الأطفال يذهبون إلى النّوم وهم جائعين، بحيث أنّ 77% من العائلات تفتقد إلى الإمكانات الماليّة اللّازمة لشراء الطعام الضروريّ، من بينهم عائلات من اللّاجئين السوريّين. أرقام تدقّ اليونيسف عبرها ناقوس الخطر في تقرير أجرته في الآونة الأخيرة بعد مسح ميدانيّ قامت به في شهر تمّوز/ يوليو الفائت على عيّنة من 1200 أسرة لبنانيّة متضرّرة جرّاء الإنفجار. لذا تحذّر المنظّمة من الخطر الّذي بات يحيط بالأطفال جرّاء تفاقم الأزمات وعجز الأهالي عن تأمين الإحتياجات الأساسيّة اليوميّة.
ماذا عن أسباب الإنهيار هذا وتداعيته؟ الأكيد أنّها لا تُعد ولا تُحصى. لذا تعرب اليونيسف عن قلقها إزاء ما آلت إليه الأمور لا سيّما تجاه مستقبل 1.2 مليون طفل في لبنان بينهم 64% من الّذين بحاجة إلى دعم سريع. تقرير اليونيسف يشير إلى أنّه بحسب تقييم شهر نيسان/ أبريل 2021 أصبح 40% من الأطفال يعيشون في حضن عائلات تفتقد إلى معيل يؤمّن مصدر الدخل الضروريّ و77% منهم ينتمون إلى أسر لا تتلقّى أيّة مساعدة إجتماعيّة.
UNICEF/UN0497037/Choufany© - المدير الإقليميّ لمنظّمة اليونيسف في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تيد شيبان
إحصاءات اليونيسف الصّادمة هذه تابع. إذْ، يكشف المسح الّذي أجرته أنّ إثنين من كلّ ثلاث أسر أيّ ما يعادل الـ68.6% لم تحصل على الرّعاية الصّحيّة أو الأدوية منذ عام كامل. حتّى وأنّ 30% من الأطفال لم يتلقّوا أصلًا الرّعاية الصّحيّة الأوّليّة لا سيّما وأنّ 76% من العائلات تأثّرت بالإرتفاع الجنونيّ لأسعار الأدوية.
شبح الإنهيار يلوح أيضًا عند الثروة المائيّة، فقد أشار تيد شيبان أنّ المياه باتت تشكّل أزمة بحدّ ذاتها بسبب تعطّل أنظمة الإمداد... فأكثر من 71% من النّاس في لبنان يواجهون خطر صعوبة الحصول على المياه، أي ما يمثّل أكثر من 4 ملايين شخص، بمن فيهم مليون لاجئ. لذا يحذّر شيبان أنّ ضخّ المياه معرّض للتوقّف تدريجًا في كلّ أنحاء البلاد في الأسابيع الأربعة إلى الستة المقبلة في حال استمرّ النقص في الوقود وتفاقمت الأزمات الإقتصاديّة.
من هنا شدّد شيبان على ضرورة منح الأطفال أولويّة كبرى "وأن تُحترم حقوقهم الأساسيّة وأن تكون في متناول اليد. وهذا يشمل أساسيّات الصّحّة والتغذية والحماية من العنف بما في ذلك سوء المعاملة والإستغلال. كلّ طفل يستحقّ هذا، وبالتأكيد كلّ طفل في لبنان يستحقّ ذلك أيضًا!".
ودعا ممثّل يونيسف الزّعماء اللّبنانيّين إلى الإسراع في تشكيل حكومة قادرة على نقل البلاد إلى طريق التعافي. ويطالب بإجراء تحقيق شفّاف وموثوق لكشف أسباب إنفجار مرفأ بيروت "ومحاسبة المسؤولين عنه وتحقيق العدالة للعائلات المتضرّرة بما في ذلك أولئك الّذين فقدوا أحبّائهم... في الوقت نفسه، فإنّ الوقوف مكتوفي الأيدي ليس خيارًا".
من ناحية أخرى، تصف المديرة الإقليميّة للإعلام في اليونيسيف جولييت توما الآثار السّلبيّة المستمرّة للإنفجار على الأطفال وعائلاتهم حيث يعيش كُثر منهم في أماكن إقامة مؤقّتة وسط ضرر نفسيّ كبير يتجسّد في الخوف والكوابيس والبكاء الشّديد... وتشير إلى أنّ الآثار السّلبيّة هذه تفاقمت بسبب الأزمات الإقتصاديّة والسياسيّة وتفشّي فيروس كورونا في البلاد.
لذا تبذل اليونيسف جهودًا هائلة من أجل حماية الأطفال وصون كرامتهم حيث أطلقت المنظّمة في شهر تمّوز/ يوليو الفائت برنامج "حدّي" الّذي يهدف إلى مساندة العائلات المعوّزة من خلال تقديم مبالغ ماليّة تسهم في تأمين الحاجات الأساسيّة للأطفال اللّبنانيّين والسّوريّين والفلسطينيّين. وبحسب توما تهدف هذه المساعدات إلى "تشجييع العائلات على إكمال التعليم للأطفال، كي لا تضطرّ إلى إرسالهم للعمل في الزّراعة والصّناعة أو في المقاهي لتأمين حاجاتهم".
UNICEF2021/Fouad-Choufany/Lebanon©
لكن هل المدارس صمدت أصلًا في وجه عصف الإنفجار؟ الجواب يكمن أيضًا في إحصاءات منظّمة اليونيسف حيث تضرّرت أكثر من 160 مدرسة في بيروت، ما أثّر بالتّالي على حوالي 85000 طفل ومراهق وشابّ مسجّلين في مدارس خاصّة ورسميّة ومدارس التعليم المهنيّ والتقنيّ. لذا جرى التنسيق مع الأونيسكو والشّركاء الآخرين من أجل تنفيذ عمليّة إعادة إعمار المدارس وتأهيلها لإستقبال الطلّاب عند العودة إلى التعليم الحضوريّ.
من هنا يؤكّد المسؤول عن التعليم في يونيسف لبنان عاطف رفيق على أنّ كارثة آب أدّت إلى "عدم تمكّن الأطفال، خصوصًا الأكثر ضعفًا، من الإلتحاق مجدّدًا بالمدرسة والتعلّم. لذا، نحن بحاجة ماسّة إلى بذل كلّ جهد ممكن لإعادة تأهيل المدارس في أسرع وقت ممكن وإنتشالها من الفوضى والدمار".
إذًا مع تفاقم الظّروف المعيشيّة وإرتفاع الضغوط اليوميّة كما نسبة العنف عقب إنفجار مرفأ بيروت، تواجه العائلات اليوم مستقبلًا مجهولًا ومشاكل مستفحلة أثّرت سلبًا على حياة الأطفال ورفاهيّتهم. الشّعور بالأمان بات مفقودًا فتعرب إحدى الفتيات لموقع اليونيسف "أشعر في كلِّ مرّة أسمع فيها تحليق طائرة في السّماء بنفس الرّعب الّذي شعرت به أثناء دويّ الإنفجارات...". وتقول إحدى الأمّهات "حصل إنفجار 4 آب/ أغسطس فأصبنا وشُرّدنا وأصبحنا شبه معدمين. كلّ ذلك دفع أسرتنا وكلّ الأسر في مجتمعنا إلى حافّة الهاوية... لولا تدخل اليونيسف و"حماية" لما وجدنا من نلتجئ إليه للحصول على الحماية. أملنا الوحيد هو اللّه".
دائرة التواصل والعلاقات العامة