من الجمعية العامة الحادية عشرة لمجلس الكنائس العالمي التي انعقدت في كارلسرو ألمانيا

الكاردينال كورت كوخ: وحدة الكنائس تحتاج لعمل الروح القدس والصلاة

نموذج الحركة المسكونية في الشرق الأوسط يجب أن يحتذى به حول العالم والشكر لمجلس كنائس الشرق الأوسط

الصورة: ألبيرت هيلرت/ مجلس الكنائس العالميّ

مقابلة أوغيت سلامة – كارلسرو، ألمانيا

الجمعية العامة الحادية عشرة لمجلس الكنائس العالمي التي انعقدت في كارلسرو ألمانيا بين 31 آب/أغسطس و8 أيلول/سبتمبر جمعت نحو 352 كنيسة تنتشر في أربع أصقاع الأرض وتضمّ مختلف الكنائس الإنجيليّة والكنائس الأرثوذكسية والأرثوذكسية الشرقية، الكنائس الانغليكانيّة واللوثرية والمعمدانية... باستثناء الكنائس الكاثوليكية التي تتحّد في كنيسة بطرس في الفاتيكان ويرعاها بابا روما كراع واحد أحد.

أنت الآتي من الشرق الأوسط وتعمل في مجلس كنائس الشرق الأوسط تحمل الكثير من الأسئلة والآمال والتحدّيات وتبحث عن واقع وموقع الشرق الأوسط في هذه الجمعيّة التاريخيّة لكن السؤال الأبرز الذي تُسأل عنه وتَسأل أنت بدورك؛ تُرى لماذا تغيب الكنيسة الكاثوليكية عن هذا المجلس الجامع؟ وأين وصل مشروع وحدة الكنائس وتوحيد صوتها كما أنّ الآب والإبن والروح القدس واحد؟

لا تطول الحيرة بعدما تكتشف بين الجموع زيًّا وقلنسوة قرمزية كاثوليكية، ويتضّح لك عندما تقترب أكثر أنّه الكاردينال كورت كوخ رئيس المجلس البابوي لوحدة المسيحيين، ومعه وفد كاثوليكي من الآباء والعلمانيين الضالعين في العمل المسكوني من حول العالم يشاركون كضيوف مراقبين في الجمعية.

كان لقاؤنا بسيادة الكاردينال بعد جلسة صباحية تناولت ملف الحرب الروسيّة الأوكرانيّة وسبُل الإغاثة الإنسانيّة المتاحة، ما حتّم أن يبدأ حديثنا عن أوكرانيا ولينتهي بالشرق الأوسط ولبنان المنتظر لزيارة قداسة البابا فرنسيس الموعودة.  

سيادة الكاردينال ما هو رأيك بما حكي في الجلسة حول الحرب الروسيّة الأوكرانيّة والحالة الإنسانية الكارثية هناك؟ وما هو موقف الفاتيكان من ذلك؟

أوروبا معنية اليوم بحرب روسيا في أوكرانيا. لقد كانت الجلسة العامة الخاصة بالوضع في أوكرانيا مهمّة للغاية، وكان من الجيّد الاستماع إلى الكنائس ومعرفة المزيد عن الأنشطة الإنسانيّة التي تقوم بها هناك وتسليط الضوء على وضع اللاجئين والمهاجرين. الوضع صعب للغاية والكنيسة الكاثوليكيّة تسهم في تقديم المساعدات الطارئة. بالإضافة إلى ذلك، تشارك الكنيسة الكاثوليكية اليونانية في أوكرانيا بشكل كبير في الأنشطة الإنسانيّة.

في الفاتيكان، من الواضح أننا مهتمون جدًا بالحرب في أوكرانيا ونقوم بالتنسيق مع الكنيسة الكاثوليكية هناك، وكذلك الأمر نحن في تنسيق كامل مع الكنائس اللاتينية واليونانية الكاثوليكية. نحن نعمل للمساعدة، كما أننا قلقون ومهتمون بوضع المهاجرين واللاجئين المنتشرين في جميع أنحاء أوروبا.

في رسالة البابا فرنسيس الى الجمعية العامة والتي وجهتموها خلال جلسة الإفتتاح إلى المشاركين، يشدّد قداسته على العلاقة التاريخيّة التي تجمع الفاتيكان بمجلس الكنائس العالمي ويذكّر بالوفد الذي شارك في الجمعيّة العامة الثالثة للمجلس في نيودلهي عام 1961، هنا السؤال يطرح تلقائيًّا من الناس؛ لماذا الكنيسة الكاثوليكيّة ليست عضًوا في المجلس؟

أظن ان هنالك سببين لذلك. السبب الأوّل لاهوتي وكنسي، وذلك لأنّ جميع الكنائس الأعضاء في مجلس الكنائس العالمي هي كنائس تتمثل على المستوى الوطني أو الإقليمي. بينما الكنيسة الكاثوليكية هي كنيسة عالميّة للجميع، هي منتشرة في جميع أنحاء العالم، وهي الكنيسة نفسها، وبالتالي لدينا هيكليّة كنسيّة مختلفة تمامًا. لكن هناك تعاون جيد بين كنيستنا ومجلس الكنائس العالمي من دون أن نكون أعضاء.

من ناحية أخرى، هناك الناحية العملية التنظيمية، فعندما تكون الكنيسة الكاثوليكية عضوًا في مجلس الكنائس العالمي، ستحظى بالغالبية تقريبًا من بين الكنائس الأخرى، وسيكون هذا الوضع صعبًا للغاية. أعتقد أنه من الأفضل لكلا الجانبين أن يكون هناك هذا التعاون المتبادل وألا يكون عضوية. ومع ذلك، نحن أعضاء في مجالات مختلفة، مثل لجنة الإيمان والنظام، الإرساليّات والتبشير ولجنة موسم الخليقة.

لكن التجربة نجحت شرقًا والكنيسة الكاثوليكية من بين العائلات الأربع التي يتألف منها مجلس كنائس الشرق الأوسط؟ 

هذا الأمر لا ينطبق فقط على الشرق الأوسط. أعتقد أنه في كل منطقة لدينا مجموعات تعاون قابلة للتفاعل. الكنيسة الكاثوليكية عضو في العديد من المجموعات الإقليميّة. هذا وضع مختلف مقارنة بحالتنا مع مجلس الكنائس العالمي، أي على المستوى العالمي. على المستويين المحلّي والإقليمي، لدينا تعاون جيد وعمل الكنيسة الكاثوليكية في مجلس كنائس الشرق الأوسط مثير جدًا للإهتمام. لذا فإن التعاون على المستويين المحلّي والإقليمي قابل للتطوير إنما ليس على المستوى العالمي.

ذكرت في حديث لك خلال لقاء في الجمعيّة العامة أنّ وحدة المسيحيين لا يمكن أن تتحقق إلّا بعمل الروح القدس وبالصلاة. أصبحت الوحدة اليوم ملّحة وسط تفكك الكنائس الذي يهدّد حضور المسيحيين في مختلف أنحاء العالم، هل ترى أن هذه الوحدة قابلة للتحقيق اليوم؟

أن يكون بيننا تعاون فعّال أمر ممتاز، وعلينا تعزيز الوحدة في كنائسنا المختلفة. لكن الأهم من ذلك أنّ الوضع ليس براغماتيًا بل لاهوتيًا. يجب أن تكون الوحدة في الإيمان، بمعنى أن نتشارك نفس الإيمان بين الكنائس المختلفة، وهذه عطية من الروح القدس. عبر التاريخ، نلاحظ أنّ البشرية قادرة على إنتاج الإنقسامات. لا يمكننا أن ننتج الوحدة منفردين. الوحدة هي دائمًا عطية ونعمة من الروح القدس. أهمّ تحضير لتلقي هذه الهبة هو الصلاة من أجل وحدة المسيحيين.

التنوّع ليس نقطة ضعف في حدّ ذاته. يجب أن تكون لدينا إجابات عن الأسئلة الرئيسة التالية: لماذا نحتاج إلى الوحدة؟ وكيف يكون التنوّع غنى؟

التنوّع ليس عقبة دون الوحدة. في ضوء الغنى في كلّ هذا التنوّع والتعدّدية، علينا أن نستثمره لتعزيز الوحدة.

كما تعلمون ويطرح اليوم بصوت عال خلال هذه الجمعية أنّ الوجود المسيحي في الشرق الأوسط والأراضي المقدّسة مهدّد بالزوال. كيف تدعمون المسيحيين في المنطقة وهل هناك أيّ خطط لمواجهة التحدّيات التي تتهدّد المسيحيين هناك في المستقبل؟

المسيحيّة في الشرق الأوسط والأراضي المقدّسة ليست بالحجارة بل بالناس، ولهذا السبب أصبحت المسيحيّة مهدّدة. تقع على عاتقنا مسؤوليّة مساعدة الشرق الأوسط حتى يتسنى لشعبه ومسيحييه العيش بسلام. طلب مني العديد من البطاركة الحدّ من تدفّق المسيحيين إلى أوروبا، لأنّ المطلوب هو مساعدتهم ليتمكنوا من العيش في أرضهم والتغلّب على ظروفهم الصعبة وليس تسهيل اقتلاعهم من جذورهم.

أعتقد أنّ المساعدة يجب أن تكون على المستوى الإقليمي حتى يتمكّن المسيحيّون من العيش بكرامة، وبالتالي دعمهم لتخطّي كل التحدّيات التي يمرون بها في الشرق الأوسط. من المهم جدًا تسليط الضوء على هذه التحدّيات الصعبة. في هذا السياق، أطلق البابا فرنسيس مبادرة في بالي عام 2018 ، لإطلاع العالم كله بهذه الظروف الصعبة التي يعيشها المسيحيّون في الشرق الأوسط.

على المستوى المسكوني، ما هي رسالتكم للشرق الأوسط؟

الشرق الأوسط تجربة جميلة جدًا للعيش معًا. في الشرق الأوسط، لدينا العديد من الكنائس المختلفة، والعديد من الطوائف. بالنسبة لي، من المهم جدًا أن نرى هذا النموذج للعيش معًا في نفس المجتمع ونحتذي به. يمكننا أن نقدّم شهادة مشتركة حول الإيمان المسيحي وكيف يمكننا التعاون معًا. لدينا العديد من التحدّيات ومن المهّم أن نجد الوحدة في كل هذا التنوّع. في هذا السياق، يعدّ الشرق الأوسط مثالًا مثيرًا للإهتمام بالحركة المسكونيّة في جميع أنحاء العالم. آمل أن يساعدنا مجلس كنائس الشرق الأوسط على تعزيز الحركة المسكونيّة، والشكر والإمتنان لما يقوم به مجلس كنائس الشرق الأوسط.

أخيرًا برأيك هل سيعود قداسة البابا فرنسيس إلى الشرق الأوسط ويزور لبنان قريبًا كما وعد من قبل؟

لا يمكنني تنبؤ موعد الزيارة، لكنها حاجة بالتأكيد.

Previous
Previous

فيديو – نصلّي معًا من أجل خليقة الله وبيتنا المشترك

Next
Next

معًا نتكاتف ونصلّي