أيُّها الساكن في العراء

إلى القدّيس البار مارون الناسك في ذكراه

د. ميشال أ. عبس

الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط 

السّلام عليك أيُّها الناسك الزاهد القورشي الأنطاكي المتحدّي الطبيعة.

السّلام عليك أيُّها الأمين على البيعة، يا مَن حمَلتها في ثنايا عقلك وروحك قاصدًا الجبال الوعرة والمناطق النائية تنقل بشارة إيل الإله المتجسّد على من كانوا لا يزالون على عبادة الحجر.

السّلام عليك يا مَن حوّلت المعبد الوثني إلى كنيسة، كُتب لها أن تكون جامعة مقدّسة رسوليّة.

السّلام عليك يا مَن أمَّ مَقامَك الألوف باحثين عن شفاء للنفس قبل الجسد.

كمّ هو عظيم إيمانك الذي أعطاك الصبر وجعلك تختار شظف العيش ومُرَّه، شهادة للذي اُسقيَ الخلّ وهو نزيف على الصليب.

صَلبٌ هو إيمانك وراسخة هي عقيدتك وعميقة هي بصيرتك يا ابن الشمال الأنطاكي الجريح السليب.

أمثالك خميرة الصلاح، ينشرون إيمانهم على ألوف مؤلّفة إذ هُم نموذج يقتدى ومثال يُلهِم الشعوب.

ليس من المستغرب أن يؤسّس المؤمنون، على اسمك، كنيسة من وحيك، من وحي سيرتك واإشعاعك على مجتمعك.

لقد بَرَت بك كنيستك، السريانيّة الأنطاكيّة، فسارت على خُطاك ونشرت الإيمان أينما حلّت وفتّت أبناؤها الصخر وبنوا به كنائس وأديرة ومؤسسات، كما سائر أبناء بيعة المتجسِّد الأبيّ على الفناء.

زهدك ومضاء إيمانك الّذين أنجبا هؤلاء المؤمنين هُم عار على المدنيّة الحديثة حيث أغرق المخلوق في أنانيّته وغرف من ملذّات الحياة إلى حدّ الإشمئزاز.

تعال وانظر البشريّة الجشعة كيف تقضي على هبة الخالق وكيف تقضي على بعضها البعض مبتكرة أساليب الأبالسة المحفِزّة على الشرور.

تعالَ وانظر كم تحتاج البشريّة إلى أمثالك اليوم، وهم ليسوا بقِلّة، من أجل شفاء جروحها.

دعني أكرّر ما كتبه لك القدّيس يوحنا الذهبي الفمّ في الرسالة التي وجهها إليك حين كان في المنفى حيث قال لك: "إنّنا لمرتبطون معك برباط المحبّة والشعور. وعليه فإنّنا نراك كأنّك حاضر هنا أمامنا، لأنّ من شأن أعين المحبّة أن تكون هكذا، فلا المسافة تحجبها ولا الزمان يخمدها. وكان بوِّدنا أيضًا أن تكون رسائلنا إلى تقواك متواصلة ولكن هذا ليس بالأمر السهل، بسبب صعوبة الطريق وقلّة سالكيها."

كم هو صحيح هذا الكلام اليوم: "صعوبة الطريق وقلّة سالكيها" في معناها المجازي. وَعِرَة هي مسالك الصلاح وضيّقة هي سُبُل الحياة المستقيمة الشريفة.

سوف نبقى على تكريمك وسوف نمدحك في صلواتنا، على مختلف مسميّاتنا، مرتّلين لك طروباريتك: "لقد أذبلتَ تلذُّذ الجسد، بما يُطابقُ اسمكَ يا مارونُ المتوشِّحُ بالله، فظهرتَ إناءً مصطفى للروح. فأنت توزِّعُ للجميع مواهبَ شفاءِ الأجساد والنفوس. لذلك نكرِّمُ تذكاركَ الشريف، هاتفين: المجدُ لمن وهبكَ القوَّة، المجد للذي توَّجكَ، المجدُ للفاعلِ بكَ الأشفية للجميع".

سوف تبقى أيّها الناسك الرمز ملهمًا لكنيسة المسيح إلى أجيال كثيرة، حتى انقضاء الدهر.

Previous
Previous

معًا نتكاتف ونصلّي - بدء صوم يونان

Next
Next

الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط د. ميشال عبس يشارك في إجتماعات اللّجنة المركزيّة لمجلس الكنائس العالميّ إستعدادًا لجمعيّته العامة الـ11