د. ميشال أ. عبس

الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط

يجلسون على كرسيهم، ممسكين بعصاهم وعيونهم شاخصة إلى الأفق، ينظرون إليه نظرة عتب وانتظار.

هم ينتظرون ولدًا أو حفيدًا أو شقيقًا أو من يسأل عنهم، عن أحوالهم ومآلهم.

يستذكرون أيامًا مضت ويتأملون في معاناتها وعِبَرها. يفرحون أحيانًا ويحزنون.

الكبر عبر، هكذا يذهب القول الشعبي في لبنان. أمّا القول الفرنسي فيقول "لو علم الشباب ولو قدرت الشيخوخة".

شيب شعرهم وتجعّد جلدهم ينبيك بالزمن الذي مرّ عليهم. زوغان نظراتهم يخبرك عن معاناتهم.

إنّهم الفئة الأكثر استضعافًا في المجتمع إذ لا حول لهم ولا قوّة ولا وعد باستعادة مجد غابر بل لجوء إلى الذكريات.

إنّهم الفئة التي يتأفّف المجتمع الحديث من كلفة العناية بها واحتضانها.

فئة الأطفال، الفئة الإجتماعيّة الضعيفة الأخرى، هي فئة واعدة من ناحية الإنتاجيّة، أمّا المسنين فيعتبرهم المجتمع الحديث الفئة الباهظة الكلفة وهي على أفول وتاليًا لا أمل باستعادة ما تتكبّد المؤسسات والدول من نفقات.

منطق عقوق.

هذه الأجساد المترهلة وهذه الأيادي المرتجفة هي التي اعتنت بنا ونحن صغارًا، هي التي عملت لتطعمنا وتطبّبنا وتسدّد لنا أكلاف تعليمنا ودخولنا إلى المجتمع أقوياء.

هذه البنى الجسدية الضعيفة هي التي كنا نلجأ إليها عندما كنا نحزن أو نخاف.

هذه الأصوات المتهدّجة هي التي كانت تدَرِّسنا وتحصّننا بالموعظة وترفع معنوياتنا عندما كنّا نحتاج إلى ذلك.

هذه العيون التائهة هي التي كانت تمدنا بالحنان واللطف والشجاعة عندما كان عودنا طريًّا.

هؤلاء لا يمكننا معاملتهم إلّا بأرقى الطرق ولا يمكن مخاطبتهم إلّا بأطيب الكلام.

في ثقافتنا الشعبية يقولون أنّ خاطر المسنين سريع العطب ويحزنون من أيّ تصرّف سيّء يحصل تجاههم.

هذا أمر بديهي إذ لم يعد لديهم الوقت لإعادة الإعتبار.

الكثيرون لا يفهمون ذلك لذلك نجد أن هناك سوء معاملة للمسنين، دونما احترام لا لشعره الأبيض، علامة الزمن، ولا لجسده المنهك، علامة البذل والعطاء.

في صفحة الأمم المتحدة التي حدّدت يوم 15 حزيران/يونيو على أنّه اليوم العالمي للتوعية بشأن إساءة معاملة المسنين نجد حقائق صادمة:

يتعرّض حوالي 17% ممن هم فوق سن 60 عامًا والذين يعيشون ضمن عائلاتهم لأشكال شتّى من سوء المعاملة، كما أنّ إساءة معاملة المسنين مرتفعة في دور الرعاية ومرافق العناية الطويلة الأجل وقد زادت هذه الظاهرة خلال جائحة كوفيد 19. والجدير ذكره أنّ هكذا معاملة يمكن أن تؤدي إلى إصابات جسديّة خطيرة وعواقب نفسيّة طويلة المدى.

أمّا المقلق في الأمر فيكمن في التحوّلات الديموغرافيّة المتوقعة، إذ سوف يزداد عدد سكان العالم الذين تبلغ أعمارهم أكثر من 60 عامًا، من 900 مليون في عام 2015 إلى حوالي 2 مليار في عام 2050. هكذا تحولات سوف تؤدي حكمًا إلى تصاعد ظاهرة إساءة معاملة المسنين حيث أن العديد من البلدان تعاني بسرعة من شيخوخة السكان.

لا نحتاج إلى أن نؤكّد ونركّز على الدور الذي تضطلع به كنيسة المسيح في احتضان المسنين وبشتى أشكال الخدمات، من دور الإستقبال العادي إلى مراكز الأمراض المزمنة والمسنين المقعدين، فذلك من صلب تعاليم المسيحيّة والمعلومات حول دور المسنين والخدمات التي تؤديها شكلت قدوة للبشرية.

نحتاج أن نسأل ان خارج إطار المرض المزمن والذي يمكن أن يشكّل إعاقة جسديّة، لما نحتاج إلى دور مسنين؟

هل لأن الأولاد لم يعودوا قادرين على تحمل أهلهم لأنّ ذلك يؤثر على رفاهيتهم؟ هل لأن المسن أصبح عبئًا على حياة أولاده وهو الذي أعطاهم إياها؟

خارج إطار الامراض التي تحول المسن إلى مقعد ويحتاج بالتالي إلى عناية طبيّة متخصّصة، أجد أن دور المسنين إهانة لإنسانيتنا.

أبشع ما يمكن ارتكابه هو سلخ مسّن عن البيئة التي أمضى حياته في كنفها.

تجدهم يسلخون من بيوت عاشوا فيها عقودًا وحملوا معهم منها بعض الأغراض التي لا قيمة لها إلّا في ذكرياتهم.

هذه سوء معاملة أيضًا ولكننا نجد صعوبة في محاربتها لشدّة العجز الذي تعاني منه قيمنا والأهم، محبتنا. 

Previous
Previous

معًا نتكاتف ونصلّي - خميس الجسد

Next
Next

جولة في أنشطة دائرة الخدمة والإغاثة، مكتب بيروت، في مجلس كنائس الشرق الأوسط خلال شهر أيّار/ مايو 2022