قرارات قيادية في مرحلة مفصلية

اجتماع اللجنة التنفيذية لمجلس كنائس الشرق الأوسط

د. ميشال أ. عبس

الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط

انتهى الأسبوع الماضي على وقع قرارات هامة في تاريخ مجلس كنائس الشرق الأوسط، اتخذتها اللجنة التنفيذية المنعقدة يومي الجمعة 17 والسبت 18 تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2023، أي العام الأخير من نصف القرن الأول من عمر المجلس. انه الاجتماع الأخير قبل ان يتخطى المجلس عتبة الخمسين.

لقد عُقد الاجتماع في ظروف صعبة جدا تمر بها منطقة الشرق الأوسط التي تعصف بها الازمات من كل حدب وصوب.

فلسطين المحتلة، تحت نار القصف المدمر الذي يطيح بالبشر والحجر في أبشع حرب إبادة وتطهير عرقي لم يشهد العالم نظيرهم. لبنان يرزح تحت رزمة من الازمات على كل الصعد، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتشريعية وجنوبه يحترق بنيران القصف ويُهجر جزء من اهله، ومصيره كوطن وككيان اضحى في مهب الريح. سورية ممزقة وأجزاء منها محتلة واوضاعها الاقتصادية صعبة للغاية. العراق ممزق أيضا وثرواته تهدر ويفتقر الى الاستقرار. قبرص ما زالت مقسمة ويفد اليها اللاجئون بأعداد وفيرة. السودان يحترق بنار الحرب. كل هذه المجتمعات تشهد هجرة لكفاءاتها ويدها العاملة بشكل غير مسبوق، وكأن المقصود افراغ المنطقة من أهلها ومن قدراتها. كل ذلك لا بد ان يكون مقدمة لمرحلة لا تبشر بالخير رغم تشبثنا بالأمل وبالتطلع الى غد أفضل.

إزاء هذه الأوضاع، لا تستطيع الكنيسة ان تقف متفرجة، فهي تبذل جهدها عبر مختلف مؤسساتها من اجل مد يد العون للفئات المتضررة، ومنها من وصل الى حد البؤس. ولكن إمكانات الكنيسة محدودة، فهي ليست دولة، ولا تدعي الحلول مكان الدولة التي لا تستطيع اية مؤسسة ملئ فراغها. الكنيسة تعمل بكل ما اوتيت من قوة على تضميد الجراح والشهادة للحق الذي يحرر.

في هذا الجو العاصف، اجتمعت كنيسة المسيح في مجلس كنائس الشرق الأوسط، ضمن لجنته التنفيذية، واخذت قرارات مصيرية بالنسبة الى العمل المسيحي المشترك، المسكوني، الذي يجسده المجلس.

لقد استمعت اللجنة التنفيذية الى تقارير الأمانة العامة والدوائر والاقسام، وشهدت العمل الدؤوب الذي يقوم به فريق مؤمن، صغير في عديده، كبير في ايمانه وقدراته وانجازاته. المجلس حاضر في كل مكان، حيث تتطلب الأوضاع حضوره، ضمن الموارد المتوفرة، بأداء رفيع واحتراف عال، مما استدعى الثناء والتهنئة من قبل أعضاء اللجنة التنفيذية.

لقد كان هناك قرارات بتعيينات إدارية أساسية كما اتُخذت قرارات استراتيجية مفصلية بالنسبة الى تاريخ المجلس ومستقبله.

في المجال الإداري التنظيمي، اتخذت اللجنة التنفيذية قرارات بالموافقة على كل التنظيمات الداخلية للمجس التي اقترحها فريق العمل وهي تتعلق بسير العمل وعلاقات العمل مثل تضارب المصالح، والتوصيف الوظيفي، وطرائق الاستخدام، وادماج الموظفين الجدد، وتقييم الأداء، وغيرها من سياسات إدارة الموارد الإنسانية، منها ما هو جديد ومنها ما جرى تحديثه. كذلك جرت مراجعة النظام العام لعمل الموظفين، وتحديث مدونة قواعد السلوك في العمل، ونظام الاحتماء من الفساد، ونظام الاحتماء من التحرش، ونظام المساءلة، ودليل الموظفين.

غني عن القول ان المجلس كان يعمل حتى اليوم وفق أنظمة متطورة، ولكن التقدم الحاصل في عالم الإدارة والموارد الإنسانية والتنظيم يتطلب تحديثا مستمرا لأنظمة العمل واضافة ابعاد جديدة لها.

في سياق متصل، اقرت اللجنة التنفيذية النظام الداخلي لدائرة خدمة اللاجئين الفلسطينيين الذي جرى تحديثه من اجل ان يحاكي التطورات الحاصلة في عمل الدائرة وفي عمل المجلس، وان يكون التوافق أفضل بين دينامية الدائرة وأنظمة المجلس. اما الامرين الأساسيين الذين اضيفا الى نظام الدائرة فهما، أولا كتابة النصوص الإجرائية لتطبيق هذا النظام، وثانيا ضرورة تقييم هذا النظام بعد فترة من وضعه حيز التطبيق.

ناقشت اللجنة التنفيذية أيضا البرنامج الذي وضعته اللجنة المتخصصة مع فريق العمل للسنة الخمسين لتأسيس المجلس، وجرى اقراره على ان يبدأ تطبيقه في بداية السنة القادمة، وتكون انطلاقته أسبوع الصلاة من اجل الوحدة إضافة الى أمسية ترانيم مسكونية يجري التحضير لها. سوف تكون السنة الخمسين لتأسيس المجلس سنة تفاعل فكري يشمل تقييم أداء المجلس للعقود الماضية وطرح تطلعات مستقبلية لعمله. انها مناسبة لتجديد التوجهات وإعطاء العمل دفعا جديدا انطلاقا من إنجازات وعِبَر الماضي.

وبما ان المجلس يعمل في منطقة مكتظة بالأحداث، وفي منطقة عانى أهلها الامرين منذ قرون، كان لا بد له من التوقف امام بعض من معاناة الفئات التي تتكون منها المنطقة.

بدعوة من الأمين العام، اشترك في جزء من الاجتماع محاضرون تكلموا عن الإبادة في الأناضول وكنيسة آيا صوفيا، والإبادة الأرمنية ومأساة آرتساخ، وسيفو او مجازر السريان، وكفنو او المجاعة الكبرى في لبنان، وفلسطين وحرب غزة بالتحديد.

لقد قدم المتداخلون المتخصصون الخمسة معطيات هامة واساسية حول كل هذه المأسي التي مرت وتمر بها شعوب المنطقة، وسوف يشكلون في المستقبل فريق عمل للتفكير حول المجازر والابادات كما من المتوقع والمأمول ان يعمدوا الى بلورة ورقة عمل في هذا السياق من اجل مقاربة المؤسسات الدولية وطرح وثيقة سياسات تجاه الاجرام الذي يجري بحق الشعوب والذي يمضي مرتكبوه من دون مساءلة.

مرة أخرى يثبت مجلس كنائس الشرق الأوسط انه مؤسسة تتمتع بحيوية عالية وقدرة على التجدد، تجعله في تفاعل وظيفي عالٍ مع محيطه، يعطيه قدرة على التجدد في عالم سريع التغير وكثر المتطلبات.

سوف يكون القسم الثاني من القرن الأول لوجود المجلس، مرحلة واعدة بالنسبة الى الحياة المسيحية المشتركة، المسكونية، كما بالنسبة الى التفاعل مع كافة مكونات مجتمعاتنا والتعامل مع حاجاتهم وتطلعاتهم.

لا بد لي ان اختم مقالتي هذه بالشعار الذي اتخذه المجلس بالنسبة الى سنة الذكرى الخمسين للتأسيس، والذي نقتبسه من اعمال الرسل:

وَعِنْدَمَا جَاءَ عِيدُ يُومِ الخَمْسِينَ، كَانُوا كُلُّهُمْ مُجتَمِعِينَ مَعًا فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ. فَإذَا بِصَوْتٍ مِنَ السَّمَاءِ يُشْبِهُ هُبُوبَ رِيحٍ عَنِيفَةٍ، مَلأ جَمِيعَ أرجَاءِ البَيْتِ الَّذِي كَانُوا يَجْلِسُونَ فِيهِ. وَإذَا بِألسِنَةٍ شَبِيهَةٍ بِنَارٍ تَظْهَرُ لَهُمْ، وَتَتَوَزَّعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. فَامْتَلْأُوا جَمِيعًا مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ، وَبَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَاتٍ أُخْرَى، كَمَا مَكَّنَهُمُ الرُّوحُ مِنْ أنْ يَتَكَلَّمُوا. (أع)

Previous
Previous

مومنتوم أسبوعيّة إلكترونيّة من مجلس كنائس الشرق الأوسط

Next
Next

فيديو – تقرير حول البيان الختامي لاجتماع اللّجنة التنفيذيّة لمجلس كنائس الشرق الأوسط – تشرين الثاني/ نوفمبر 2023