رسالة الميلاد 2024 من الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط البروفسور د. ميشال عبس
"يا طفل المغارة"
البروفسور د. ميشال عبس
الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط
حول سريرَك تحلقت الامم تمجد تجسدك،
بداية لرسالتك الخلاصية،
من اقاصي بابل اتى المجوس الى ساحل فينيقيا-كنعان ليخضعوا امام عرشك المتواضع،
الكون أنبأنا بمجيئك، مبشرا الإنسانية بعهد جديد،
السماء والأرض فرحتا بحلولك بيننا،
مرشدا الإنسانية الى سبيل الانعتاق،
يا ملك المجد،
بولادتك شرفت اطفال العالم،
وجعلت لفعل الولادة قدسية لم تكن لتخطر على بال بني البشر،
انت يا مظهر النور،
من هذه المغارة الفقيرة، ارسلت شعاعً نور يضيء حياة البشر،
يا عنوان الصدق،
فعل بشارة أمك، وتجسدك، وولادتك، كانت مقدماتٍ لفعل الخيانة الذي تلاه فعل الصلب ومن ثم القيامة،
فعل الفداء،
لكي يكون قد تم كلُ شيء،
ايها الطفل الصغير،
انت الذي ارتجف الطغاة لولادته،
كم لضعفك من سلطان،
وكم لصمتك من بلاغة،
وكم لبراءتك من جبروت،
لقد امليت على العالم دروسا ما زالت بعمقها تنضح معانِ حتى يومنا هذا،
بعد الفيتين وعقدين ونيف،
يا طفل المغارة،
بلجوئك قد علمتنا ان نحمي الضعفاء والمشردين والمضطهدين،
يا طفل المذود،
بولادتك الفقيرة قد علمتنا ان نحمي اخوتك هؤلاء الصغار،
وجعلت منهم الباب الذي يقود الى الملكوت،
يا طفل الاتضاع،
لقد رفعت الانسان الى مصاف الاله حيث جعلته على صورتك ومثالك، وتجسدت وأصبحت منه، انت يا ابد الانسان،
لقد قدست الارض التي وطئتَ والتي يذبح اطفالُها مثل نعاج آثمة من قبل من رفضوا مجيئك،
ويرفضونه حتى اليوم،
يا طفل القداسة،
لقد جعلت للحياة معنى مختلفا عن كل ما سبق،
عن كل اساطير الارض وفلسفاتها،
وحولت بذلك الكثير من الكلام الى سفسطة لا مَعنى لها،
يا معلق الارض على المياه،
الارض ملوثة والمياه تشح على تلوثها،
وقبة السماء مشبعة بالسموم،
ومصانع الجشع تبث موادها القاتلة على مدار الساعة،
مؤذنة البشرية بقدوم نهايتها،
يا ناقضَ الهيكل وبانيه في ثلاثة ايام،
الاراداتُ اصبحت مسلوبةً،
والايمانُ بالمستقبل تبخر،
والريبةُ تعمُ نفوسَنا لكثرة ما استشرى الشر بين ظهرانينا،
يا طفل السلام،
الدولة العميقة تتحكم بعالمنا ومصيرنا وتجرنا الى حروب لا تنتهي،
خدمة لمصالحها،
والعنف بكل اشكاله يجتاح العالم،
وخطاب الكراهية يفتك بالنفوس،
ويهدد السلام في كل بقعة من العالم،
أيها القدوس،
كم نحن اليوم بحاجة الى التأمل في ميلادك من جديد،
بكل تفاصيله،
بكل رموزه وعبره،
لأننا تِهنا عن الطريق القويم،
وتجاهلنا، عن قصد تعاليمَك وسبلَك،
تجاهلنا ذلك لان الاعتراف بهم ينازل مصالحنا، وفرديتنا، وانعدام مسؤوليتِنا الاخلاقية،
فجعلنا المناقب خياراً، والاستقامة وجهةَ نظرٍ،
الأطفال مشردون فريسة الاستغلال بأسوأ اشكاله، وقد هجرهم الفرح،
والضعفاء يُسحقون من دون رحمة،
والإنسانية في صحراء التيه قد تاهت،
وشهود الزور ما اكثرهم،
رغم ذلك،
سوف يبقى ميلادك تحد للبشرية الضالة،
التي تسخف حياة الانسان، وتمتهن كرامته،
التي تسحق النفس البشرية،
رغم كلِ ذلك،
سوف يبقى ميلادك مجيداً، يمجد الانسان،
وهو حقاً لمجيد!