السكن اللائق والكرامة الإنسانية

ألقى الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط د. ميشال أ. عبس هذه الكلمة في الندوة الشهريّة الّتي نظّمها مجلس كنائس الشرق الأوسط عن بُعد حول "السكن اللّائق والكرامة الإنسانيّة"، يوم الخميس 25 كانون الثاني/ يناير 2024.

د. ميشال أ. عبس

الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط

لا جدل في ان المسكن هو الإطار الاساس الذي ضمنه تنمو الاسرة بشكل جيد وطبيعي، ونوعيته هي المعيار الأساس لتحديد مستوى الحياة في مجتمع ما.

تزخر ثقافتنا الشعبية بالأقوال حول البيت واهميته ودوره في الهناء والاستقرار والتقدم الاجتماعي، اذ في كنفه يجد الانسان راحته بعد يوم مضنٍ في مجال العمل او الدراسة، وفيه يستكين ويخلد الى نفسه، بحثا عن راحة يكون قد افتقدها طوال النهار، في أي مكان كان، في العمل، في الجامعة او في المدرسة.

لكي يكون المنزل مكانا للراحة والنمو الذاتي، وليس مكانا للمشاحنات والنزاعات العائلية، لا بد ان يتمتع بالمواصفات التي تجعل منه مكانا لائقا للعيش، علما ان هذا الشرط هو شرط أساسي ولكنه ليس شرطاً كافياً او لاغياً لشروط أخرى.

على المسكن ان يكون كافيا لحجم العائلة، متمتعا بشروط الراحة، وحتى الرفاهية، وان يحافظ على خصوصية الاسرة، وان يسمح بخصوصية كافة أعضاء الاسرة، وان يكون صحيا، خاليا من النش والرطوبة، وان يكون مزودا بكافة عناصر الخدمات الأساسية المتعلقة بالصحة والنظافة والوقاية، وان لا يتعرض ساكنوه لمشاكل قد تأتي من المحيط مثل الضجيج والغبار والروائح غير الصحية وان تكون تهويته مناسبة وان يكون خاضعا للصيانة بشكل دوري، كمنزل وكبناء، وان تكون الخدمات العامة في البناء متوفرة، كما الحراسة والأمان.

ما ادرجته أعلاه هي شروط البيت النموذجي الذي أستطيع تسميته بالمسكن المحترم، بعيدا عن البذخ والرفاهية المفرطين. هذا هو الحد الأدنى من الحجر الذي عليه ان يحتضن البشر الذين يريدون ان يكبر أولادهم بشكل سوي، وان يدرسوا ويرفهوا عن أنفسهم ويستقبلوا اصدقاءهم في بيتهم وبحضور أهلهم.

هذا البيت النموذجي هو بيت في البال لعدد كبير جدا من الناس، لبنانيين وعربا وغربيين، لان هذا العدد الكبير من الناس لا يستطيع تأمين هكذا منزل لأسرهم لأسباب اقتصادية واضحة، ترافقها غياب سياسة اسكانية ناجعة في عدد كبير من دول العالم، عدا عن سكان مخيمات اللجوء الذين تزداد اعدادهم باضطراد في بلادنا أكثر من أي منطقة أخرى في العالم والذين يسكنون في ظروف مأساوية هي دون المستوى الإنساني اللائق بأشواط.

هناك كثير من المناطق التي يستطلعها الباحث الاجتماعي الاقتصادي فيصدمه واقع السكن فيها ويسأل نفسه: كيف يعيش الناس في هكذا مناطق، اقل ما يمكن تسميتها بانها رجمة من الحجارة يعيش فيها بعض من الناس.

إضافة الى المنازل واوضاعها، تأتي أوضاع الطرقات، والارصفة، ومواقف السيارات، وشبكات الكهرباء والماء، ونظام الصرف الصحي، وغيرها من مقومات الحياة المدينية، واشدد على المدينية، لان المشكلة تكون اقل ثقلا في المناطق الريفية نظرا لتركيبة العمران والسكن المختلفين عن المدينة.

لا ينفع ان تؤمن مسكنا لائقا من الداخل وان تموضعه في بيئة مدمرة، ملوثة ومهملة، حيث الحياة العامة مزرية. بناء عليه، يجب ان نعتبر ان مفهوم المسكن اللائق هو ابعد من المنزل المباشر المايكرو اجتماعي، ويشمل البعد الماكرو اجتماعي، أي التنظيم المدني بمعناه الواسع، أي الحياة في الحي او القرية.

اما المشكلة الأكبر في لبنان، وقد ينطبق ذلك على مناطق كثيرة في العالم العربي، هو ان مناطق النمو العمراني الحديثة التي نشأت حول المدن الكبرى، لم تشكل في الكثير من الأحيان مدى حيوي جديد للمدينة، انما حزام بؤس جديد ومودرن، سوف يتحول تدريجيا الى حزام قديم مترهل بسبب غياب الصيانة، نظرا للأوضاع الاقتصادية لقاطني هذه المناطق. هل من المعقول ان تكون بعض طرقات الضواحي الحديثة النمو حق مرور اعطي من مالك عقار الى جاره بدل ان تكون هذه المناطق نتيجة سياسة تنظيم مدني عامة استبقت عبرها الدولة النمو العمراني؟

اليس عارا علينا ان يكون بين مستوطنات العدو الذي يحتل ارضنا وانتشارنا المديني عقود من التقدم؟

ندوة الليلة هي الندوة الأولى في سلسلة ندوات حول السكن والإسكان، نتوخى عبرها تحسيس قياداتنا الدينية والمدنية على خطورة الوضع السكني في بلداننا، وتحث هذه القيادات على انشاء مناطق سكنية جديدة، مخططة بأحدث الوسائل، تجدد النسيج العمراني في بلداننا وتؤمن حياة لائقة للأسر التي ستنشأ بحكم النمو السكاني، وتشكل سدا اوليا امام هجرة شباننا بحثا عن حياة أفضل، علما ان هكذا مشاريع هي مدرة للدخل وتؤمن اعدادا كبيرة من الوظائف. لقد أظهرت الدراسات السوسيولوجية ان تأمين السكن هو عنصر أساس في منع الهجرة وحث الناس على البقاء.

يشكل السكن، الى جانب الطبابة والتعليم وتأمين العمل، التحدي الأساسي الذي يطرحه المجلس على مجتمعنا ويحتاج الى بلورة ضمن مشاريع، قد أنجزت فقط مرحلة بسيطة أولية منها بسبب الكلفة المرتفعة، ولكن المراحل التالية قادمة.

Previous
Previous

فيديو – مجلس كنائس الشرق الأوسط يساعد 32 شخصًا على تأسيس مشاريعهم الصغيرة في ريف حمص 

Next
Next

مجلس كنائس الشرق الأوسط يدعوكم إلى ندوته الشّهريّة الجديدة عن بُعد