لبنان، السلم الأهلي الهش...وضرورة التحصين
د. ميشال أ. عبس
الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط
لقد أظهرت الاحداث التي جرت في لبنان، خلال الأيام القليلة الماضية، كم ان السلم الأهلي هش في بلادنا، وكم ان أي نوع من الحوادث يمكن ان ينعكس سلبا بشكر كبير على المجتمع والشعب في لبنان.
ما حصل كان خطيراً وموجعاً طبعاً. خطف انسان في منطقته وسلبه سيارته والذهاب به الى خارج الحدود، ثم العثور عليه مقتولا، ليس بالامر السهل ولا الامر الذي يمكن اعتباره حادثة عابرة في يوميات اللبنانيين، خصوصا ان هذا الانسان، الذي هناك اجماع حول سمعته الطيبة، هو في موقعين أساسيين: هو اولاً، مدير المعلوماتية في احدى اكبر المصارف في لبنان، وهو ثانيا، منسق حزبي، في حزب وازن، في منطقة تعتبر قلب جبل لبنان.
وتحركت ماكينات الشائعات، تغذيها مخيلة خصبة عند اللبنانيين، وحالة ابلسة متبادلة بين المجموعات التي تكون هذا المجتمع الغني على شتى الصعد، الفنية والثقافية والفكرية والتقنية. تناقض واضح بين الكفاءات العالية التي يتمتع بها اللبنانيون، ووقوعهم السهل في فخ رمي التهم على بعضهم البعض وتسعير خطاب الكراهية.
عشرات القصص احتلت مواقع التواصل الاجتماعي، تحمل من التأويلات ما هب ودب، وكلها تتجه نحو اما ابلسة الضحية – وهذه خطيئة وجريمة – ام الى تسعير نار الفتنة.
كذلك نما الينا ظهور جماعات مسلحة في العديد من المناطق اللبنانية، كما سرت التهديدات بيت مجموعات المجتمع كسير النار في الهشيم. كل ذلك قبل معرفة مصير الضحية وملابسات اختطافه وحتى قبل ان يبدأ التحقيق.
الشكر للرب دائما، ان القوى الأمنية اللبنانية هي ذات كفاءات عالية وتتمتع بقدرات تقنية ودراية جد رفيعة، فاستطاعة ان تستبق أي تحرك غير محمود يوصل الى ما لا تحمد عقباه.
لقد اظهر اللبنانيون مرة أخرى، انهم غير مهيئون للسلم الأهلي، وان السلم الأهلي الظاهر، والذي هو في حالة متقدمة، يتحول الى واقع هش عندما تتحرك مشاعر الطائفية والعنصرية وغيرها من مشتقات الاحكام المسبقة والكراهية. كلنا يعلم انه، حين تتحرك قوى الشر، فان قوى الخير تنكفئ لانها لا تتعامل بالأساليب غير الخيّرة.
ان دل هذا الامر على شيء، فانه يدل على ضرورة تكثيف حملات الحوار والتوعية بين اللبنانيين، وتوسيع بقعة زيت المساحات المشتركة التي تشمل اعدادا كبيرة من اللبنانيين، ولكنها ليست كبيرة بما فيها الكفاية من اجل جعل السلم الأهلي ثقافة وطنية وحالة دائمة.
ان تصبح البلاد على شفير حرب أهلية، حتى قبل ان تعرف ملابسات الجريمة وتحديد مرتكبها، فهذا امر مقلق للغاية ويضعنا، نحن المؤسسات المعنية بالحوار والتقارب بين الناس، امام مسؤوليات جسام، نحاول الاضطلاع بها قدر الإمكان، ولكن قوى الشر ما زالت اقوى.
كل ذلك يثبت ان مقاربتنا في مجلس كنائس الشرق الأوسط، نحو تقريب الناس والجماعات من بعضها البعض، هي المقاربة الناجعة، وعلينا ان نوسع نطاق هذه الأنشطة من اجل ان تشمل مساحات اكثر من الوطن. احدى المحاولات كانت الندوة حول المساحات الدينية المشتركة في الاشرق الأوسط التي اقمناها في 23 اذار/مارس الماضي والتي شملت قيادات روحية ونخب علمانية والتي أظهرت كم ان ما يجمعنا هو اكبر من ما يفرقنا وعلينا ان نجعل ذلك قاعدة لحياتنا المشتركة في الشرق الأوسط. ان تحصين المجتمع يكون بالوعي.
يبدو ان طريق التأخي الاجتماعي والإنساني طويل امامنا، وان التحدي كبير، ولكن لا بد لنا من التعامل معه، متسلحين بنشر المحبة التي بشر بها السيد المتجسد والتي كانت أساس رسالته.
كم نحن بعيدون عن المحبة!