تِذكار القِدّيس البار باخوميوس الكبير (348م)
الخامس عشر من شهر أيّار
وُلِدَ في صعيد مصر مِن أبَوَين وثنيّين، وقد نشأ على المعارِف القبطيّة الوثنيّة، غير أنّه كان يستَقبِح الإحتفالات الوثنيّة. وفي العشرين من عمره جُنِّد في الجَيش، وحين بلغ مع المجندين مدينة لاتوبوليس، حيث يقيم عدد من المسيحيّين، عملوا على تقديم الطعام والشَراب للمُجَنَّدين، وعَطَفوا عليهم وكأنّهم أولادهم. وهذا ما ترك انطباعًا قويًّا لدى باخوميوس، وتساءل ما الذي يدفعهم إلى هذا العمل وهم لا يعرفون الجنود، وأتاه الجواب بأنَّ هؤلاء مَسِيحِيّون يعبدون الإله الذي يُعَلِّمهم أن يحبّوا الغُرَباء كما يحبّون أقرباءهم، فغمَرهُ شُعور عارِم بالإكبار ما لبِِثَ أن تحَوَّلَ إلى فَرَحٍ غامرٍ ورغبة في اقتبال الإيمان بالإله الذي يؤمِن به هؤلاء.
ولمّا سُرِّحَ من الجنديّة، سجّل إسمه في قائمة الموعوظين وجَرَت عمادته، في دياره. وباتَ هَمّه خِدمَة ربّه أفضل خِدمة. وكان ينتظر أن يكشف له العَليّ ما يَشَاؤه هو أن يسلُكَ فيه. وهمُّه أن يقع على مُرشِد خبير يُوَجِّهه ويُسَدِّد خُطاه إلى رَبّه. فنصحه شيخ قدّيس يُقيم في البَرّية يُدعى بلامون، وكان يُريد امتحانه، أنّ هناك صعوبات تنتظره، فوَعد لتوّه، بالتزام ما يجعله الشيخ عليه. فقَبِله بلامون وضَمَّه إلى قلاّيته وأعطاه الثوب الرهبانيّ.
واهتمّ باخوميوس بحِفظ قلبه، ولكي ينال من أهواء نفسه وجّه انتباهه كاملًا إلى اقتناء التواضع والصبر والوداعة. وفيما كان يُصَلّي في مكان قاحِل على ضِفاف النيل، تَلَقّى من ملاك بعض التوجيهات الخاصّة بالحَياة الرهبانيّة. وأوّل الذين قدموا إلى باخوميوس كان أخاه الأكبر يوحنّا. وجاءته أخته، فلم يقابلها ولكنّه شجعّها على الحياة الرّهبانيّة وأسَّسَ لها ديرًا في الاتّجاه المُقابِل من نهر النيل.
لقد رفض باخوميوس الدرجة الكهنوتيّة. ولكنّه لم يردّ المرضى والضعفاء الذين كانوا يطلبون الإنضمام إليه. وقد هدى العديدين وقاوَمَ الآريوسيّين. وشفى المرضى والممسوسين بالزيت المقدّس. كان يسأل الله، بصورة أساسِيّة، من أجل صِحّة النفس. وكان لا يترك فرصة إلّا يستغلّها لإخضاع أهواء الرّهبان وشفائهم منها، لا سيّما الكبرياء.
مَنّ الربّ الإله على باخوميوس بموهبة النُبوءَة. وقد أكبر الآباء الأساقفة تواضعه الفائق. مرض بوباء إجتاحَ مصر وحصَد مائة من رهبانه فأبدى صبرًا عجيبًا. وقد رقد، في الربّ، عن سبعٍ وخمسين سنة بعدما عايَنَ في الأديرة التي أسّسها حوالي سبعة الآف راهب. وقد بِقِيَت رهبانيّته عامُرَة إلى القَرن الحادي عشر.
المسيح قام...حقاً قام