أطفال يبحثون عن طفولتهم
عمالة الأطفال ظاهرة تتفاقم يوميًّا، فهل من حلول للحدّ منها؟
الدكتورة هيفاء سلام لإعلام مجلس كنائس الشرق الأوسط: من الضروري تطوير استراتيجيّة وطنيّة للحماية الاجتماعيّة في لبنان
خاصّ: إعلام مجلس كنائس الشرق الأوسط
ظاهرة ليست كسائر الظواهر الاجتماعيّة... ظاهرة تمسّ بحقوق أكثر الفئات الهشّة... إنّهم الأطفال الّذين يبحثون عن طفولتهم بين زوايا الشوارع والمعامل والمناجم وفي الأراضي الزراعيّة والصحراويّة... يبحثون عن حقوق بات مسلوبة منهم تحت شمس شديدة ووسط برد قارص وفي ظلّ أسوأ الحالات الّتي قد يعيش فيها الإنسان. والسبب؟
أرغموا على العمل! أرغموا على التخلّي عن براءة الطفولة لمواجهة قساوة الحياة.
عمالة الأطفال ليست سوى قتل لطفولة حرمت من اللّعب والترفيه والتنشئة الصالحة والدراسة.
واقع خطر لا يمكننا التغاضي عنه، فمن يتحمّل مسؤوليّة الخطر الّذين يتعرّضون له؟ وهل من آذان صاغية إلى أوجاعهم؟
إنتهاك للقاونو الدولي
أمام هذه الحقيقة المرّة، لا بدّ من دقّ جرس الإنذار خصوصًا وأنّ عمالة الأطفال هي، وبحسب الأمم المتّحدة، انتهاك للقانون الدولي والتشريعات الوطنيّة، فهي إمّا تحرم الأطفال من التعليم أو تتطلّب منهم تحمّل العبء المزدوج بين الدراسة والعمل.
وبطبيعة الحال يحظر القانون الدولي هذه الظاهرة الّتي تنقسم إلى فئات ثلاث وفق الأمم المتّحدة الّتي حدّدت في رزنامتها العالميّة يومًا خاصًّا لمكافحة عمالة الأطفال في 12 حزيران/ يونيو.
أوّلًا، عُرفت أسوأ أشكال عمل الأطفال دوليًّا بالاستعباد والاتجار بالبشر والعمل لتسديد دين ما، وسائر أنواع العمل الجبري وتوظيف الأطفال رغمًا عنهم لا سيّما في النزاعات المسلّحة والأعمال الجنسيّة والأنشطة غير المشروعة.
ترى إلى أي مدى يتعرّض آلاف الأطفال حول العالم للخطر؟
من ناحية ثانية، تتجّلى هذه الظاهرة في كلّ عمل يقوم به أي طفل دون الحدّ الأدنى للسنّ المخوّل لهذا النوع من العمل، وذلك بحسب ما حدّده التشريع الوطني ووفقًا للمعايير الدوليّة المعترف بها. ناهيك عن العمل الّذي يؤدّي إلى إعاقة تعليم الطفل ونمّوه التام.
ثالثًا، قد يهدّد عمل الأطفال صحّتهم الجسديّة والفكريّة والمعنويّة أكان بسبب طبيعة هذا العمل أو جرّاء الظروف الّتي ينفّذ فيها، أي ما يعرف بمصطلح "العمل الخطر".
الواقع في لبنان
الشرق الأوسط ليس بمنأى عن هذه الظاهرة لا بل الكارثة الإنسانيّة. في لبنان مثلًا، تعاني الكثير من العائلات من ضغوط يوميّة قد تدفع أبنائها الصغار إلى العمل لتأمين دخل قد يخفّف من أعباء الأسرة.
في حديث خاصّ لإعلام مجلس كنائس الشرق الأوسط، تشير الدكتورة هيفاء سلام، وهي أستاذة علم الإجتماع السياسي في الجامعة اللّبنانيّة، إلى أنّ ظاهرة عمالة الأطفال في لبنان تفاقمت خصوصًا بعد العام 2019 مع استفحال الأزمة الإقتصاديّة والأحداث الأمنيّة في البلاد، إضافةً إلى تفشّي جائحة كورونا، وأزمة النزوح السوري.
نتيجة لذلك، تواجه العائلات فقرًا مدقعًا وأصبحت عاجزة عن تسديد المدفوعات اللّازمة لتأمين حاجيّات أطفالها وحتّى تسديد الأقساط المدرسيّة ومتطلّبات الرعاية الصحيّة. لذا، بات الحلّ الأنسب بالنسبة للأهل هو إرسال أطفالهم إلى سوق العمل من أجل إعانتهم. هناك حيث يتعرّضون لكلّ أنواع المخاطر والعنف، وهذا ما يزرع فيهم بعض القيم غير السليمة لبناء مجتمعات أفضل.
قوانين وحلول
في الشقّ القانوني، توضح الدكتورة هيفاء أنّ القانون اللّبناني يسمح للطفل من عمر 13 عامًا بالعمل محدّدًا أنواع المهن المناسبة. علمًا أنّ الكثير منها تهدّد الصحّة النفسيّة والجسديّة للطفل أو حتّى لا تتناسب مع قوّته وبنيته الجسديّة وفئته العمريّة.
أمّا عمليًّا، فتركّز الدكتورة هيفاء على ضرورة تضافر الجهود بين الدولة والوزارات المعنيّة، وبين المجتمع المدني والمنظّمات الحكوميّة وغير الحكوميّة. كما تشدّد على أهميّة التوعية الإعلاميّة وحملات التوعية خصوصًا بين الأهل وسط تفاوت ثقافي واضح.
في هذا السياق، بات التنسيق بين الوزارات المعنيّة ضروريًّا، وهي وزارة الشؤون الاجتماعيّة، وزارة العمل، وزارة العدل، ووزارة الداخليّة والبلديّات. وذلك عبر طرق مختلفة منها إنشاء هيئة تتولّى القضيّة وتنسّق المهام بين الوزارات الأربعة مع مشاركة من المجتمع المدني.
مقترحات وتوصيات
من خلال دراسة كانت قد أجرتها، توصّلت الدكتورة هيفاء إلى حلول وتوصيات عدّة بموضوع الحماية الإجتماعيّة حيث تسهم في الحدّ من ظاهرة عمالة الأطفال. بدايةً، تشير إلى ضرورة مراجعة وتطوير البرنامج الوطني لاستهداف الفقر للإستجابة لتأثير الأزمات الاقتصاديّة والماليّة والصحيّة بشكل أكثر فعاليّة. هذا إضافةً إلى إعطاء الأولويّة لتوفير المساعدة الإجتماعيّة للفئات غير المحصّنة.
علاوة على ذلك، تلفت الدكتورة هيفاء إلى أهميّة تنشيط سياسات سوق العمل وتوفير الحوافز لخلق فرص عمل جديدة. وكذلك تطوير واعتماد استراتيجيّة وطنيّة للحماية الاجتماعيّة مع خطّة عمل تفصيليّة تهدف إلى تعزيز نظام الحماية الاجتماعيّة في لبنان وتحديدًا أدوار ومسؤوليّات مختلف الجهات الفاعلة.
مع كلّ ما تقدّم من معطيات وبيانات تؤكّد على مدى فداحة ظاهرة عمالة الأطفال وتداعياتها السلبيّة على نموّهم النفسي والعقلي والصحي والتربوي... تظهر قضيّة أخرى تدقّ بدورها جرس الإنذار!
قضيّة التسرّب المدرسي الّتي باتت مسألة طارئة، فهل من جهات معنيّة تعمل على الحدّ منها عبر حلول مجدية؟