تذكار القِدّيس أيّوب الصِدّيق الكثير الجِهاد

السادس من أيار

إنّ أيوب الصِدّيق هو مِن الرِجال الأتقياء الصالحين الذين عاشوا حوالي القرن السابع عشر قبل المسيح، وكانوا على مثال ملكصادق يعبدون الله الحقّ وينبذون الوثنيّة والأصنام. وكان مسكنه في أرض عوص في حوران شرقي بلاد آدوم. وكان رجلاً ضخم الثروة كثير الأموال واسع الغنى. فكان له سبعة آلاف من الغنم، وثلاثة آلاف من الإبل، وخمس مئة فدّان بقر، وخمس مئة أتانٍ، وعبيد كثيرون جدّاً. وكان له من الأولاد سبعة شبّان ومن البنات ثلاث. وكان شيخاً عظيماً مُهيباً طائر الصِيت في بلاد المَشرِق، لكِثرة أمواله، وللحكمة المنبعثة من أقواله، ولكرمه في ولائمه.

وكان لكل من أولاده بيته وخدمه وضيوفه. فكان هو وأولاده يعيشون عيشة العَظَمَة والشَبَع والإسم الكبير والكلمة المسموعة.

وكان بنوه وبناته يجتمعون في أوقات معلومة في بيت أحدهم، بكلّ بدوره، ويأكلون ويشربون، وينعمون بالوفاق السائد بينهم وبالمحبّة الأخويّة التي تربطهم. وكان الربّ يرضى بتلك الذبائح والمحرقات، وتروق في عينه تلك النيّة الصالحة التي تدفع أيوب الى عبادة الربّ وشكره والإستغفار مِنه عن آثامه وآثام أولاده.

فخرج الشيطان وضَرَبَ أيوب ضَربةً واحدة في أمواله كلّها وفي بَنيه جميعاً. أقبل العرب، فغزوا البقر والأتن وساقوها أمامهم وقتلوا الغلمان، ونزلت نار من السماء فأحرقت الغنم والرعاة، وهجم الكلدانيون على الإبل فأخذوها، وسقط البيت على أولاد أيوب، على البنين والبنات معاً، فهلكوا جميعاً ولم يسلم منهم أحد. فلماّ سمع أيوب بتلك الضربات المتوالية "قامَ وشَقّ رداءه وجَزَّ شعر رأسه، وخَرَّ على الأرض وسجد وقال: عرياناً خرجتُ من جوف أمي وعرياناً أعود الى هناك. الربّ أعطى والربّ أخذ. فليكن إسم الربّ مباركاً".

فلمّا رأى الربّ ذلك الصبر العجيب والإعتصام الكامل به تعالى، قال للشيطان: هل أملت بالك الى عبدي أيوب؟ فإنّه ليس مثيل في الأرض. وقد أغريتني به لأمحقه لغير عِلّةٍ. فأجاب الشيطان: أبسط يدك وأمسس عظمه ولحمه فتنظر ألاّ يُجَدِّف عليك في وجهك. فقال الربّ للشيطان: ها أنّه في يدك، وإن إحتفظ بنفسه. فخرج الشيطان وضرب أيوب بقرحٍ خبيث من باطن قدمه ال قمته". فتناثرت لحمانه وسالت دماؤه وتورّمت أطرافه، وغطّت الدمامل السود جسمه كلّه، فجلس على الرماد وأخذ له قطعةً من الخزف ليحتكّ بها، وبقي صابراً معتصماً بالله.

فأقبلت عليه إمرأته، وهي لا تعي من فرط ما ألمّ بها من الحزن عليه وعلى بنيها وعلى ضياع الأموال، فقالت له:

"أإلى الآن أنت معتصم بسلامتك؟ جَدِّف على الله ومُت". فأجابها أيوب برصانةٍ وثباتٍ وإيمان وقال: "إنّما كلامك كلام إحدى السفيهات. أنقبل الخير من الله ولا نقبل منه الشرّ"؟

جواب عظيم، وصبر عجيب. سوف يبقى أيوب مثلاً أعلى للصبر والتسليم الجميل لمشيئة لمولى عزّ وجل.

ونظر الربّ الى أيوب برحمته، وكافأه على احتماله وصبره، وعَوَّضَ عليه. "وردّ الربّ أيوب من جلائه حين صلّى لأجل أخلاّئه، وزاد الله ايوب ضعف ما كان له قبلاً وزاده جميع أخوته وأخوانه وكل من كان يعرفه من قبل، وأكلوا معه خبزاً في بيته، ورثوا له وعزّوه عن كل البلوى التي أنزلها الربّ به، وأهدى له كل منهم نعجةً وخرصاً من ذهب.

وبارك الربّ آخرة أيوب أكثر من سابقها. فكان له من الغنم أربعة عشر الفاً، ومن الإبل ستة آلاف، وألف فدّان من البقر، وألف أتان، وكان له سبعة بنين وثلاث بنات. ولم توجَد نِساء في الحسن كبنات أيوب في الأرض كلّها. وعاش أيوب بعد هذا مئةً وأربعين سنة، ورأى بَنيه وبَني بَنيه الى أربعة أجيال. ثم مات أيوب شيخاً قد شبع من الأيام.

المسيح قام...حقاً قام

Previous
Previous

الشهر المريمي: واحة صلاة وسلام

Next
Next

الى الأردن بمحبة