مجلس كنائس الشرق الأوسط
مسيرته ومساره في عامه الخمسين
الجزء الأوّل من الكلمة الّتي ألقاها الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط د. ميشال عبس في الإحتفال الّذي أُقيم لمناسبة السنة الخمسين لتأسيس مجلس كنائس الشرق الأوسط، يوم السبت 14 أيلول/ سبتمبر 2024، في المقرّ البابوي الجديد بالأنبا رويس - مصر، برعاية وبركة وحضور قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندريّة وبطريرك الكرازة المرقسيّة، وبحضور غبطة البطريرك الأنبا ابراهيم اسحاق، بطريرك الأقباط الكاثوليك، حضرة القس د. أندريه زكي، رئيس الطائفة الإنجيليّة في مصر، وأصحاب النيابة والسيادة من مختلف الكنائس، حضرة القسّ يشوع أيوب، أمين عام مجلس كنائس مصر، الأمناء العامين الفخريّين والمشاركين، الآباء الكهنة والقساوسة، الأخوات الراهبات، وفاعليّات ومدعوين.
د. ميشال أ عبس
الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط
قداسة البابا تواضروس الثاني الجزيل الاحترام،
بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، راعي الاحتفال
غبطة البطريرك إبراهيم اسحق الجزيل الاحترام،
بطريرك كنيسة الاقباط الكاثوليك،
حضرة القس الدكتور اندريه زكي المحترم،
رئيس الطائفة الانجيلية في مصر،
أصحاب القداسة والنيافة والغبطة، حضرات القسس والاباء المحترمين
أيها الحضور الكريم
لا بد لي في بداية كلمتي ان أتوجه بالشكر الى صاحب القداسة الذي بارك ورعى هذه المبادرة وهذا الإنجاز، وهذه ليست المرة الأولى الذي يظهر فيها قداسته عن دعمه غير المحدود للعمل المسيحي المشترك، أي المسكوني، ولمجلس كنائس الشرق الأوسط بالتحديد،
كما اصلي واطلب الرحمة لشهداء الكنيسة الابرار، وملف الشهادة مفتوح على مصراعيه، حيث يقدم المؤمنون ارواحهم شهادة لرسالة المتجسد الذي لا فناء لملكه، وأقول للجميع عيد نيروز مبارك، ومباركة السنة 1741 القبطية للشهداء،
خلال نصف قرن من الزمن، الممتلئ بالكفاح والشهادة، كوّن مجلس كنائس الشرق الأوسط هوية متنوعة تنوع مكوناته وتنوع مقومات المنطقة التي نشأ فيها.
لقد استطاع المجلس تحديد هوية له، تأثر بها المسيحيون في منطقة الشرق الأوسط. هو يعمل منذ نصف قرن، في مراحل دقيقة وخطرة، وقد فلح في أعادة تعريف هويته ودوره والتموضع في كل خطوة وكل مرحلة.
هو يجسد روح وتطلعات الحركة المسكونية في مهد المسيحية، حيث وجدت الرسالة وانطلقت الى العالم. ان مقارنة سريعة وعفوية بين "الثقافة والروح المسكونيين " في سبعينيات القرن العشرين واليوم، يعطينا الدليل القاطع على تأثير المجلس في الذهنية المؤسسية والشعبية لدى المسيحيين.
لقد تم إنشاء هذا المجلس من قبل كنائس المنطقة لكي يشكل بيتا للعمل بين الكنائس، وقد قام بالدور الذي انيط به منذ تأسيسه، والعنصر الرئيسي في هذا الدور هو التقارب بين الكنائس، أي تقريبها على جميع المستويات الممكنة.
على صعيد أخر، لا بد للمراقب ان يلحظ ان المجلس يجيد اعادة التموضع بالنسبة الى الكنائس والهيئات التابعة لها، وهو في هذا السياق، يسعى دائما إلى خلق ميزة تفاضلية جديدة بالنسبة الى الكنائس كما بالمسبة الى المنظمات غير الحكومية أيضا. يشكل هذا الامر تحدّ يستجيب له المجلس، وهو بذلك، عملية مستمرة لأنها جزء من خصائص الحياة.
اما بالنسبة الى علاقته مع غير المسيحيين في بيئة الشرق الأوسط، فقد شكل المجلس، وعلى الدوام، محاورا من قبل الكنائس مع غير المسيحيين، وقد كان وما يزال، في تفاعل مستدام و مع المجتمعات غير المسيحية.
في هذا السياق، لا بد لنا ان نذكر ان القيادات غير المسيحية تنظر إلى مجلس كنائس الشرق الأوسط على أنه شريك صادق وحقيقي، يعتنق المساواة ويحاور من الند للند مع كل من يتوجب الحوار معه. وهذا الامر لا يقتصر على المستوى القيادي او المركزي، انما ينطبق على المستوى الشعبي، وهو الذي كان الشريك الأساس في اللجنة الوطنية الإسلامية المسيحية للحوار في لبنان، كما كان شريكا في الفريق العربي للحوار ايضا.
من جهة أخرى، يعتبر المجلس علامة على مرونة المسيحية في منطقة الشرق الأوسط، اذ قد مر بأزمات حادة في تاريخه، ولكنه تمكن من البقاء والاستمرار بسبب إيمان المسيحية الشرق أوسطية بضرورته ودوره. إضافة الى ذلك، يعود البقاء والاستمرار، وبعمق، إلى إيمان الأسرة المسكونية الدولية أيضا بدور المجلس والدعم الذي قدمته من اجل استمراره.
في سياق مواز، يقوم المجلس بدور استراتيجي في العلاقات بين المجموعات المختلفة في المنطقة، من جهة، وبين المسيحية الشرقية والغربية، من جهة أخرى. انه يؤدي، من خلال القيم التي ينضح بها والخبرة في هذا المجال، دور الوسيط بين المظاهر الثقافية المختلفة للمسيحية.
من ضمن ابعاد هويته المتنوعة، يعتبر المجلس منظمة ديناميكية قادرة على تحديث دورها، بدليل انه قد قدم خلال تاريخه الحافل بالأحداث، دليلا على الاحترام والاستجابة للوسط او البيئة الذين يعمل ضمنهم.
من خلال أنشطة دوائره وبنيته التنظيمية واستراتيجياته وسياساته وبرامجه، أثبت المجلس أنه كيان لا يمكن تجاهله في المنطقة، حيث يشكل رقما صعبا في عالم المؤسسات ذات الخلفية الايمانية.
لقد اثبت انه لم يكن فقط قادرا على التكيف، وانما على إجراء تكيف إيجابي فاعل، يجعله قادرا على إحداث تغيير في المحيط الذي يعمل ضمنه.
لذلك يجد مجلس كنائس الشرق الأوسط نفسه مدعو إلى إعادة تحديد دوره باستمرار- أي تحديث او تيويم دوره - من أجل الاستجابة للاحتياجات، على المستويين الكلي والجزئي، التي تظهر في مجتمعاته. ولكن كل ذلك يبقى مرهونا
بتوفر الموارد التي أصبحت في بعض الأحيان نادرة للغاية.
اما بالنسبة الى علاقة مجلس كنائس الشرق الأوسط بالشركاء، فقد تم بناء الشراكة بين المجلس والأسرة المسكونية الدولية على مدى عقود شهدت مراحل متنوعة من حيث طبيعة العلاقات. بحكم هذا الامر، تكونت ذاكرة، او وعي تاريخي تم تطويره خلال كل هذه الفترة، التي لا تحتسب فقط بالزمن انما بما شهدته من تناضج وتعلم متبادلين.
لقد جرت خلال تلك الفترة الممتدة من تأسيس المجلس الى اليوم عملية استيعاب تدريجية للأفكار والمعرفة والقيم والتطلعات والرؤية التي تطورت بين المجلس وشركاؤه الدوليين، فنتج عن ذلك شعور بالوحدة والتجانس، أي اضحى المجلس وشركائه بحكم العائلة الواحدة، وهو شعور مطمئن يبر به المجلس عبر الموثوقية والشفافية.
الجزء الثاني يتبع