وقفك يا رب
كلمة الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط البروفسور د. ميشال عبس في أمسية "عينَك عا وطنّا" الّتي أُقيمت يوم الجمعة 11 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2024، في كنيسة يسوع الملك – ذوق مصبح، لبنان.
البروفسور د. ميشال عبس
الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط
وقفك يا رب تحت الحديد والنار،
ارضه الجميلة التي غرستَ فيها ارزَك، لم يرُق اخضرارها لممتهني اليباس، فيجهدون بتحويلها الى حطب الحقد،
جبلك المقدس الجميل الذي غطيطه باللبان، فكان قبلة انظار العالم، لم يرتاح قاتلوا الجمال لبياض ثلجه، فأمطروه حقدا قاتما،
موئل الحريات الذي يلجأ اليه كل مضطهد ومظلوم، جعلوا منه سجنا كبيرا،
منجم الحرف، مدرسة وجامعة ومشفى الشرق، يمعن فيه البرابرة تهشيما وتدميرا،
نعم يا مالك الملك،
ايدي الكراهيةِ تسللت في غفلة من الزمن الى هذا الكنز الدهري الثمين وسطت عليه،
وقفك يا رب يعيش منذ عقود معاناةَ طريق جلجلة طال امدها،
حتى اضحت تمس اهلَه في صميم كيانهم،
في صميم وجودهم،
من كل حدب وصوب يقصدون وقفك للتبرك به، وعندما يبلُغون مأربهم، يصابون بالعقوق،
ما خلا قلةً قليلةً، عرفت معنى الوفاء، فبقيت تدافع عنه ضد كل شيء،
وقفك يا رب شع نورا على مشرقٍ انطاكيٍ لا يقل عذابا عنه،
فأغدَق عليه من نعمك التي اسبغتها عليه،
اعطه مما اعطاكم،
يا باري الخليقة،
القريب قبل الغريب فتك بوقفك، وبأهله، وبإنجازاتهم، لان حضارتهم هي عار على هواة البدائية،
ارضك يا رب ارض كلُ شبر بشهيد،
وكل شبر بقديس،
وقديسونا شهداء،
لألاف السنين ارضك تنتج الشهداء،
ولألاف السنين وهي تعطي القديسين، بركة للعالم،
الدم الذي اهرق عليها ورواها يغطي المعمورة، وما زال اهلوها صامدون، يردون العدوان بصدورهم العارية،
عينهم تقاوم المخرز،
قدرهم هو، هو، منذ بدايات الازمنة،
المطامع تطاردهم في كل منعطف من تاريخهم الجلي،
وقفك يا رب مستباح، بره، بحره وسماؤه،
كلٌ يريد حصةً من هذا المكان المقدس،
المؤتمنون على وقفك ما زالوا يمارسون قيمك وتعاليمك،
يردون على الكراهية بالمحبة،
وعلى التعالي بالتواضع،
وعلى الجفاء بالمودة،
وعلى الرفض بالرضى،
وعلى العنف بالسلام،
وعلى القمع بالكلمة،
نحن، أبناء الارض المؤتمنون على وقفك، جئنا اليوم نناجيك،
مناجاة حضارية تليق بالثقافة التي زرعتها فينا،
والتي شعت على العالم فكرا وفنا وفلسفة،
فكانت أساس حضارة المعمورة،
جئنا اليوم نناجيك بكلماتٍ ونغماتٍ من انتاج أبناء الأرض،
لعل صوت الترنيم يقوى على صوت الحرب،
لعل الانشاد يحرك عند الناس بعضا من مشاعر اللطف والوداد،
لعل الكلمة والنغم يقرعون أبواب ضمائر من استهانوا بحياة البشر،
تلك الحياة التي انت فقط تعطيها بمحبتك وجلالك،
انهم لا يدرون ان لا حق لهم بأخذها،
فيستبيحون البشر والحجر والقيم والثقافة،
ويشردون خليقتك ويرمونها في آتون الذِل والبؤس،
اتينا اليك الليلة، مؤسسات وافرادا، حاملين ايمانك والرجاء الذي زرعته فينا، لنقول للعالم اننا باقون نحرس الأمانة، ونتعهدها، ونعتني بها، وننميها، على قياس كرمتك الباسقة التي تغطي المعمورة،
اتينا اليك الليلة نقول اننا على يقين أنك ما زلت ترعى وطننا بنظرتك المحبة، التي سوف تنقذه من براثن الشر الذي يفتك به،
اننا نعلم ان للباطل جولة، ولكننا نعلم أنك قد غلبت العالم،
اتينا اليك الليلة لنؤكد اننا نعتني بأخوتك الصغار، وبالمتعبين وثقيلي الاحمال،
ولنقول لك أيضا ان الخوف لم يجد الى نفوسنا سبيلا، لأنك قلت لنا تشجعوا، انا هو،
نعم انت هو يا رب، يا واجب الوجود، يا غايةَ الغايات، أيها الحي القيوم الذي لا فناء لملكه،
نقول لك اننا نؤمن بان تجسدك وصلبك وقيامتك يفعلون فعلهم، رغم الشر المستشري في العالم،
نقول لك انك سوف تبقى نورا تهتدي به البشرية، انت يا مظهر النور،
انت منارة الناس التي ضلت الطريق، وتنكرت لنفسها، ولكيانها، ولكرامتها، عندما تنكرت لك،
نحن على يقين انه، عندما تعود الناس الضالة عن غيها، سوف ترى من جديد بهاء وجهك الجميل، ويديك المرحبتين بمحبة وتسامح،
الجشع، والحرب والشطط القيمي والأخلاقي، وغيرها من موبقات العصر الذين دخلتهم البشرية اليوم، كلهم نتيجة التنكر لك،
ووقفُك وأهله الطيبون المحبون، المعطاؤن هم اكثر من وقع فريسة التوحش في الحضارة،
ولكن اهل وقفك، لبنان، والمشرق الانطاكي، سوف يبقون حاملي شهادة تتحدى من يريد العودة بالبشرية الى حياة المغاور،
نحن هنا، حاضرون بالشهادة والدور، نستلهمك في كل لحظة نحياها، وفي كل خطوة نخطوها، ونؤكد ان جذورنا أعمق من ان تُقتلع،
وقفك يا رب باق على ما هو، مهما ضربته الانواء، لأننا نحن، اهله، أبناء الرجاء والقيامة