غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو: الديانة لا تُلغي الهويّة

غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو، بطريرك الكلدان في العراق والعالم، والرئيس الفخري لمجلس كنائس الشرق الأوسط

فيديو - البطريرك ساكو: الحفاظ على العيش المشترك واجب على الجميع


كان للمشاعر التي جاشت فينا إثر صلاتنا في كنيسة أبينا ابراهيم الخليل في اور الكلدانيين، الأثر الطيب في قلوبنا، متفاعلة مع مشاعر بنات وأبناء شعبنا في الوطن، وفي الشتات. هذه الكلمات جاءت بمِداد العبَرات.

الديانة، علاقة إيمان صميمية مع الله، علاقة حرّة نابعة عن الوعي والقناعة والحبّ، وليس عن إكراه. فنحن جميعاً، من أي دين كُنّا، نترجم إيمانَنا من خلال صلاتنا العميقة، والتزاماتنا الأخلاقية. كما يفرض الدين علينا إقامة علاقات طيبة مع الآخرين، واحترام خصوصيتهم وتنوّعهم، وخدمة من يحتاج المساعدة (الزكاة – الصدقة). لذا أن الدين لا يُحدِّد الهوية القومية والوطنية، إنما يركّز على العلاقة الروحية مع الله، وعلاقة أخوية رحيمة مع الآخرين. ليس كلُّ عربّي مسلماً!

القومية، تقوم على أسس عرقية وتاريخية وحضارية، كالأرض (الوطن) وإرتباط الناس بها، واللغة والثقافة، و”حزمة” من القيم والعادات والتقاليد…الخ.

مفهوم القومية والتعبير عنه حديث العهد، يعود الى القرن الثامن عشر، خصوصاً في الثورة الفرنسية التي عزلت الكنيسة عن السياسة، وحافظت على أهميّة الفرد ومدنيّة الدولة ومركزيَّتها في الدستور والقوانين. ومع الوقت أخذ الدين مكانته الخاصة بمعزل عن الدولة، وعُمِّمَ النظام العلماني – المدني في الغرب.

العراق

نجد في تاريخ العراق القديم (بين النهرين-Mesopotamia) نوعين من السكان: الحضر يَسكنون المدن والأرياف، والرُحَّل يتنقلون بحثاً عن “الماء والأرض الخضراء. عرفت هذه البلاد موجات هجرة قادمة وأخرى راحلة وفقاً للظروف السياسية والاقتصادية، والحروب المتكررة.

سكن هذه البلاد الاكديون والسومريون والبابليون الكلدان والاشوريون والفرس والعرب والاكراد… الخ. العراق متحف كبير قيمته تفوق النفط اذا اُستغِلّت آثاره وكنوزه بشكل صحيح للسياحة! 

إبراهيم الخليل، كان بحسب الكتاب المقدس، من اور الكلدانية. وهو من أشاع عقيدة وحدانية الله (سِفر التكوين فصل 12 وما بعده). هاجر إبراهيم مع عشيرته الى حرّان ثم الى كنعان (فلسطين). وهناك صار له أولاد وأحفاد، وغدَوا اُمّة. أحد أحفاده يعقوب أنجب 12 إبناً. هؤلاء تكاثروا وصُنِّفوا أسباطاً (عشائر)، وحملوا إسم اليهود نسبةً الى يهوذا أحد أبناء يعقوب.

على يد موسى بدأت الديانة اليهودية. غزاهم الآشوريون مع سنحاريب، وبعد سقوط نينوى 612 ق. م. قامت الإمبراطورية الكلدانية (612 – 539 ق. م.) بسبيِهم عام 597 ق. م. الى عاصمتهم بابل. وعندما سمح لهم كورش الفارسي بالعودة الى فلسطين سنة 538 ق.م.، عاد منهم سبطان فقط، والعشرة فضَّلوا البقاء في بلاد ما بين النهرين لانها بلاد الخيرات والحضارات والأمجاد.

قدوم المسلمين

 عندما قَدِمَ المقاتلون المسلمون من شبه الجزيرة العربية، كان سكان وسط العراق وجنوبه كلداناً بنسبة 70% والبقية فرس زرادوشتيين. وكان من بين هؤلاء المسيحيين عرب إمارة الحيرة قرب الكوفة. ومن اُمرائهم المشهورين النعمان بن المنذر والأمير الشاعر امرؤ القيس، وهند الكبرى والصغرى. وفي الحيرة دفن عدد من البطاركة أسلافي (طالع كتابنا سير البطاركة، ط2 بغداد 2023 ص 37، 80، 99).

وجد هؤلاء المحاربون المسلمون حضارة عريقة وشعوباً متآخية، وتعرَّفوا على الديانة المسيحية التي تختلف عن بدعة النصرانية التي تعرَّفوا عليها في الجزيرة العربية. في القرن السادس والسابع كانت الأديرة والكنائس والمدارس والبيمارستانات (المستشفيات) منتشرة في طول البلاد وعرضها. انضمَّ الى الإسلام عدد من الكلدان والعرب والآشوريين والفرس فازداد شيئاً فشيئاً عدد المسلمين، لكن الغالبية من المسيحيين حافظوا على هويتهم ولغتهم. الأنظمة والحكومات تتغير، لكن الشعوب تبقى.

مع الخلافة العباسية في بغداد، حصل تقدم كبير، وتكوَّنت دولة قوية، عرفت ازدهاراً وأيَّما ازدهار، مما شجع موجات من الهجرة الى العراق. وقد قرَّب الخلفاء اليهم نُخبة من المسيحيين من أهل الكفاءات المبدعين من الكلدان والعرب، وقاموا بتأسيس بيت الحكمة كحُنين بن اسحق، وابنه اسحق وطيمثاوس الكبير وآل بوختيشوع. وترجموا العلوم اليونانية الى السريانية والعربية، ومنها وصلت الى الغرب عِبر الاندلس. انتقل الكرسي البطريركي في زمن الخليفة هارون الرشيد الى بغداد العاصمة في أحد القصور الذي منحه له. وكان الخلفاء الأوائل منفتحين، فعيَّن الخليفة المهدي أبا نوح الانباري المسيحي الكلداني والياً على الأنبار. أين نحن اليوم من هذا الانفتاح والإحتضان؟ إذ نعاني من الاقصاء والتهميش!…

إضغط هنا للإطّلاع على الصور.

هذا الخبر نُشر على موقع البطريركيّة الكلدانيّة في بغداد، لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

غبطة البطريرك الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا يترأَّس القداس الإلهي تكريماً لإكليل الشوك الذي كلل جبين السيد المسيح في كنيسة هوذا الرجل

Next
Next

"غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي يطلق سنة "المرأة المارونية... شريكة في الهويّة ورسولة الإيمان والرجاء" بمناسبة اليوم العالمي للمرأة"