مواعظ خميس الفصح والجمعة العظيمة والقيامة

Untitled-1-7.jpg

غبطة البطريرك الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو

خميسُ الفصح (1 نيسان/ أبريل 2021)

الحُبُّ يَتَطَلَبُ أنْ نُعطيَ كلَّ شيءٍ

     يحتفل اليهود في شهر نيسان من كلَّ عام بعيدِ الفصح – العبور، ذلك بتقديم أضحية – حمل، وضمن مراسيم دقيقة كما جاء في سفر الخروج”(فصل 12).

 ينتهز يسوع هذه المناسبة الدينية والاجتماعية والسياسية (العبور من مصر الى ارض الحرية) ليُعطيَها بُعداً جديداً. فهو لم يقدم اضحية – حيواناً، بل قدم ذاته حَمَلاً فصحياً يُضحَّى به لخلاص البشرية. وقد طبَّقَ بذلك مقولته عن الحبِّ العظيم: “لا يوجد حب أعظم من ان يبذل الانسان حياته عن احبائه” (يوحنا 15/13). الحُبُّ يتطلبُ أنْ نُعطيَ كلَّ شيءٍ ليصيرَ لنا طريقَ الحياة والتجدد والسعادة. والتفاني هو مفتاح الحب والحياة، والإيمان هو قبل كل شي خبرة وجودية ثرية معاشة أكثر من تنظير وكلام، والايمان من دون علاقة حبٍّ وجدانية لا يُجدي نفعا!

الفصحان مختلفان مادياً وجوهرياً. الفصح اليهودي طقس عائلي يذكّر بتاريخ خروج العبرانيين من مصر، وفصح المسيح أكثر روحانية فهو إحتفال الكنيسة الجامعة بذبيحة المسيح التي فتحت أمام البشرية بأكملها طريق الحياة الابدية. وبالنسبة للمسيحيين، المسيح هو فصحهم الوحيد، وهوعطية حياة جديدة ومتجددة ليعودوا اليها في سبيل تحقيق عبور متواصل الى فضاءات أكثر ايجابية ورحابة.

جاء في انجيل متى: “وبَينَما هم يَأكُلون، أَخذَ يسوعُ خُبزاً وبارَكَ ثُمَّ كَسَرَه وناوَلَه تلاميذَه وقال: خُذوا فَكُلوا، هذا هُوَ جَسَدي. ثُمَّ أَخَذَ كَأساً وشَكَرَ وناوَلَهم إِيَّاها قائلاً: اِشرَبوا مِنها كُلُّكم فهذا هُوَ دَمي، دَمُ العَهد يُراقُ مِن أَجْلِ جَماعةِ النَّاس لِغُفرانِ الخَطايا” (62/26-28).

 وفي رتبة القداس الثاني الكلداني: “في الليلة التي أُسلـِم فيها لأجلِ حياة العالم. وبعدما اْحتفل بالفصحِ مع تلاميذِه، بحسبِ ناموسِ موسى، صنع فصحَه قُبـَيل موتِه، هذا الذي نحتفلُ به، كما سلـَّمـَه إلينا..”.

فصح المسيح وليمة بكلِّ أبعادِها خصوصا ببُعدي الموت والقيامة. وهذا ظاهر في رتبة القداس الكلداني عندما يكسر المحتفل الخبز الى نصفين رمزاً للموت ثم يغمسه جزء منه في الكأس ويلصقه بالجزء الاخر ويرفعه خبزاً واحداً رمزاً للقيامة.

اصنعوا هذا لذكري.. أي استمروا على هذا الاحتفال، وأَمنِّوا حضوري معكم على الدوام.

في الافخارستيا يفوح عطر الحياة الابدية بتناول المؤمن القربان المقدس، والاندماج في المسيح والامتلاء منه، بحيث يتحول فصحنا إلى أن: “نصير للكلِّ كلَّ شيء” (1 قورنثية 9/)22)، فننال القيامة والحياة.

تعبّر الافخارستيا أيضا عن الوحدة، وحدة البشرية مع المسيح. فحبات الحنطة العديدة المطحونة والمعجونة التي تشكل الخبز الواحد إشارة إلى وحدة الكنيسة – وحدة المؤمنين مع المسيح ومع بعضهم البغض، وحدة في الجوهر بالرغم من التنوع الظاهر.

 اذاً: لنلبسنّ الانسان الجديد بالمسيح (كولوسّي 3/ 1-11) في القلب والروح، ولنخلق أمام الواقع المتشظي لكنائسنا وشعوبنا مساحة مشتركة واسعة للعيش مع الله ومع بعضنا البعض بثقة ومحبة وتضامن وفرح، ولنسع لتحقيق السلام والعدالة والكرامة للجميع. ولنكن في حالة شكرٍ دائمٍ وعميق لله على كل بركاته ونعمه لنا.

فصح مبارك

 

الجمعة العظيمة (2 نيسان/ أبريل 2021)

المسيح ليس شخصية مجرد ة أو فكرة فلسفية، بل انه شخص حيّ يحمل قضية

يُفضل الحفاظ على تسمية “الجمعة العظيمة” لانها ترتبط بحب المسيح العظيم لنا وبقيامته وإهمال تسمية جمعة الالام او الجمعة الحزينة، أو جمعة الصلب.

 المسيح ليس فكرةً مجردة أو شخصيةٍ تاريخية، بل انه شخص حي، لا يَزالُ حاضراً بيننا باشكل متنوعة. حمل المسيح قضية الناس – رسالة “لتكون لهم الحياة وبوفرة” (يوحنا 10/10)عاش ومات من اجلهم…

هذا الاحتفال هو تأمل واستذكار لصلب المسيح وموته ودفنه التزاماً بمن أحبهم للغاية، لكنه لم يبق أسير القبر، بل أقامه الله الآب لأمانته الى النهاية، ورفعه اليه مُمجداً، لذلك ترتبط الجمعة العظيمة باحتفالات عيد القيامة.

حكمت السلطة البشرية الدينية والمدنية على يسوع بالموت لأنه قال الحق وسعى لجعل حياة الناس أكثر جمالاً وفرحاً وكرامةً. هذا ما لم يرق لها فحكمت عليه بالصلب. من المؤسف ان عناوين الناس العلنية شيء وسلوكهم شيء آخر، لايوجد ضمير حي ولا تناغم حقيقي في داخلهم، فيصيرون صدى لصوت الاقوياء – الفاسدين ويختفي صوتهم.

بحسب الأناجيل، حكم على المسيح بالموت مصلوباً، وخرج حاملاً صليبه من دار الولاية الرومانية (الوالي بيلاطس البنطي) الى تلةِ الجلجة. لم يستطع استكمال الطريق بسبب الجلد بالسوط والاهانات وتاج الشوك على رأسه، فسُخِّر سمعان القيرواني لمساعدته على حمل الصليب. وروَت الأناجيل صلبه مع لصين وحواره معهما ثم مع اُمه وتلميذه الحبيب، واستهزاء المارة ثم موته واقتسام ثيابه. يا للعار!

بالرغم من كل التصريحات الرسمية باحترام حقوق الانسان وكرامته كاملة وسيادة الشعوب، نشاهد البشرية اليوم مسحوقةً بثِقل الشر والظلم والفساد: عنف وارهاب وحروب، وفقر وبؤس، وتشرد، وهجرة، وجائحة كورونا الفتاكة.

موت يسوع دعوة لنا للعودة الى الذات، و صوته يبقى ينادي كل ذوي الارادة الصالحة لعمل شيء من أجل إنهاض الناس “لتكون لهم الحياة وبوفرة”. أليست خطيئة جسيمة عندما نحكم على الناس الابرياء زوراً أو عندما نتهرب مثل بيلاطس من مسؤولياتنا تجاه الحق والعدالة والمساواة؟

لنسأل: اين صار التزامُنا بقيم ايماننا وثوابت أخلاقنا المسيحية.أين التزامنا الايماني اليومي في اتِّباع يسوع في طريق خدمة المصالحة والمحبة والعدالة والسلام؟

ما من طريق يقود الى الحياة إلا طريق المسيح. فهو وحده يقود من يسلكه الى عيد الحياة والسعادة. فحبة الحنطة التي ألقيت في الأرض تعطي الحياة بوفرة (يوحنا12/ 24-26). يسوع هو حي لان الله المحبة هو الحياة: فكما انه لم يترك إبنه خاضعاً لسلطان الموت، كذلك لن يتركنا نحن بناته وابناءه في وادي ظلال الموت. علينا ان نتعزّى بان الله يجتذبنا الى الحياة الكاملة بيسوع ومعه وعلى دربه.

لنصلِّ هذه الأيام من أجل السلام والاستقرار في بلدنا والمنطقة والعالم، ومن أجل أن تنهض الانسانية من كابوس جائحة كورونا متعافية، ويغدو عالمنا أسلم وأنظف..

عيد قيامة المسيح (4 نيسان/ أبريل 2021)

رسالة رجاء بان حياة المؤمن لا تنتهي بالموت

    قيامة المسيح، لا تعني عودته الى حياته السابقة مثل قيامة لعازر (يوحنا فصل 11) وابنة يائروس (لوقا 8/40-56)، بل الى حياة من مستوى آخر، الى حياة ممجدة.. ونرجو ان يكون الأمر كذلك بالنسبة لنا وللبشرية جمعاء..

قيامة المسيح هي قيامة شخصه، التي نحتفل به، وهي سبب فرح كبير وتعزية لنا. عيد القيامة مناسبة لتعميق الايمان بالله والثقة به والتجاوب معه في حياتنا.

قيامة المسيح “وتَواصله معنا” بأشكال متنوعة، خصوصاً بحضور “الروح القدس”، علينا ان نكتشفه، ونقبله ليمنحنا العزاء والرجاء في وسط متاعبنا و همومنا وقلقنا لاسيما في زمن جائحة كورونا.

قيامة المسيح هي المركز الاساس في إيماننا المسيحي وتوجهنا “ان لم يكن المسيح قد قام كرازتنا باطلة” (1 قورنتية 15/14). انها الوقت المميز لإعطاء المجال للروح القدس ليعمل في تنقيتنا وتجديدنا.

حياتنا حجٌّ لنزع ثياب الخطيئة والفساد من فكرنا وقلبنا وللتجلي من خلال الاستماع بشوق الى كلمات يسوع في الانجيل وعيش حياة صداقة معه ومع بعضنا البعض. هذا التغيير هو بمثابة ولادة جديدة. يقول الرسول بولس في الرسالة الى أهل فيليبي: “مِن أَجلِه خَسِرتُ كُلَّ شَيء وعدَدتُ كُلَّ شَيءٍ نُفاية لأَربَحَ المسيحَ وأَكونَ فيه فأَعرِفَهُ وأَعرِفَ قُوَّةَ قِيامتِه والمُشاركة في آلامه فأَتمثَّلَ بِه في مَوتِه” (فيليبي 3/ 7- 10). الاتباع هو مفتاح الحب والقيامة.

 اننا نحتاج الى التغيير- القيامة ، ويسوع هو النموذج ونحوه ينبغي أن نصوِّب نظرنا. “هذا هو ابني الحبيب: اسمعوا له” هو من سيقودنا الى الأعلى. فيسوع قد إختبر مثلنا الألم والموت وخيانة الآخرين، لكنه لم يستسلم، فارتقى الى مستوى آخر من جمال الحياة _ القيامة …

هذا النصّ نُشر على موقع بطريركيّة بابل للكلدان، لقراءة المزيد اضغط هنا.

Previous
Previous

حول تاريخ موحّد لعيد القيامة المجيدة

Next
Next

استثمار زيارة البابا فرنسيس للعراق 5-8 آذار/ مارس 2021