حول تاريخ موحّد لعيد القيامة المجيدة

christians1_88.jpg

إعداد: فريدا حداد عبس

 

إذا تصّفحنا روزنامة الأعياد الكنسيّة التي نقيمها شرقًا وغربًا، نجد فترة من السنة تتراوح ما بين 18 الى 19 اسبوعًا تتمحور كلّها حول الفصح. وإنّ دققّنا النظر نلاحظ أنّ تاريخ عيد الفصح يتغيّر من سنة الى أخرى.

وقبل أنّ نتناول تفاصيل إشكاليّة تحديد تاريخ عيد الفصح ما بين الروزنامة التي تتّبعها الكنائس الغربيّة والتي تتّبعها الكنائس الشرقيّة، لا بدّ لنا أن نحرّر تساؤلاتنا كما وأن نزيح من تأملنا كل تشنّجات حضارة قد نكون قد توارثناها فكّبلت تفكيرنا في مسارات علم الفلك، ونتطلّع إلى تراث مشترك بيننا نغرُف منه ماء حياة لوحدة مسيرة نتوق إليها. مرشدنا في مسيرة كهذه هو ما يشير به إلينا الكتاب الإلهي بوضوح ألا وهو أنّ العيد ليس إنشغالًا بالأيّام بل بالربّ: "إنّه فصح الرّب" (خروج 12 :11 ولاويين 23 :4-5 ).

نحن لا نحفظ العيد في حرفيّته كحافظين أيّامًا كما يقول الرسول بولس (كورنثوس الأولى 5 :7 ). لا نقيم العيد من أجل حفظ الأيّام بلّ من أجل الرّب، من أجل المسيح الذي هو فصحنا.  وبعبارة أخرى كما يكتب لنا "فيليب بفاتايخر" ( Philip Pfatteicher) في مؤلفه الرائع "رحلة إلى قلب الله"، نحن بحاجة  إلى أن نتذكّر أبدًا ودائمًا ايّة هويّة نحمل: أنّنا قوم منطلقون من بداية إلى بداية أخرى لا نهاية لها، إلى قيامته المجيدة بيننا في حاضر مستمرّ في ما بيننا[i]

 

الروزنامة الطقسيّة

جذورها في التقويم الطقسي العبري

نبدأ بتعريف لغويّ عمّا نشير إليه بتسمية "روزنامة السنة الطقسيّة"[ii]

إنّ روزنامة السنة الطقسيّة تستمد لها جذورًا عميقة في الدافع البشري البدائي للإحتفال بأوقات معيّنة ذات مدلول ليتورجي يتعلّق  بتحديد طقوس العبادة. إنّها أوقات محدّدة يتمّ فيها إيلاء الإهتمام الواعي للقوى الغامضة التي تحيط دورات الطبيعة إذ تتأرجح  بين النهار والليل، بين أوقات الصحو والعمل، وأوقات الراحة والنوم، وبين حدث الولادة وانبثاق الحياة وحدث الموت والعدم. وقد ساهمت دورتان مترابطتان أساسيّتان في تشكيل التقويم الطقسي الكنسّي. إحداهما هي الدورة  الكونيّة  الطبيعيّة أيّ مراحل دورة النور المنبعث من القمر، والدورة الشمسيّة المماثلة، والأخرى هي دورة المواسم الطبيعية التي تحدّد أوقات البذر والحصد. وتشمل كلتا الدورتين سرّ انبثاق إلى الحياة وسرّ اضمحلال في العدم.

والروزنامه الطقسيّة المسيحيّة اتخذت لها جذورًا في الروزنامة العبريّة التي إتبعت ترتيبها الأساس من أحداث الحياة في البادية مرتبطة بالدورة القمريّة التي حدّدت لها عيدًا سنويًّا موسميًّا رئيسًا وهو اكتمال أوّل ظهور للقمر البدر في فصل الربيع. أقام العبرانيون لهم عيد "العبور" بالنسبة للظهور الأوّل للبدر الربيعيّ. ثم، وبعد أنّ استقرّ الشعب في منطقة أرض كنعان، أضافوا إلى روزنامتهم ما دُعيَ بعيد الحصاد ألا وهو حدث حصاد أوّل موسم زراعي لهم في حياة شعب إنتقل من حياة البدو إلى حياة الحضر. إعتادوا على نصب خيام لهم خارج المدن في الأرض الزراعيّة المجاورة لها وذلك في أوائل فصل الخريف حيث كانوا يمكثون سبعة أسابيع ليتمّموا جمع الغلّة الزراعيّة وتوضيبها. هذا الحدث الزراعي حدّد عندهم في الروزنامة الطقسيّة "عيد الأسابيع"، وفي أوّل يوم منه  كانوا يحملون أول غلّة للمحصود الزراعي الى مقرّ قيادتهم الدينيّة في المدينة ليوزّع على الفقراء كما وليقتات منه أعضاء الإكليروس.

هكذا وقبل ظهور نظام المَلكيّة السياسيّة عندهم، أيّ ما بين القرن الحادي عشر والقرن السادس قبل الميلاد، أخذوا يتّبعون روزنامة أسبوعيّة يتألّف الأسبوع فيها من سبعة أيّام، ستّة أيّام عمل واليوم السابع يوم راحة. وتدريجًا إتخّذ هذا اليوم السابع بُعدًا مقدّسًا مخصّصًا للعبادة والشكر لله.

هذا ما يقودنا إلى العام الاول للميلاد حيث كانت الروزنامة قد تطوّرت من مبدأ الأعيّاد الموسميّة حصرًا فطعمت بذكرى "أحداث" خاضها الشعب في ذاكرته التاريخيّة بدءًا ممّا عرف عندهم بحدث الخلق، ومرورًا بمرحلة العبوديّة والتحرير (يحدّثنا عنها سفر الخروج في القرن الثالث عشر قبل الميلاد)، ومن ثمّ إلى هيامِهم في البادية (خروج 12: 1 -20 ولاويين 23 وعدد 16 : 1 -17). الروزنامة تطوّرت لتضمّ أحداث تحرّرٍ وخلاص إرتقابًا لحدث خلاصيّ نهائي  في اليوم الأخير، أيّ الزمن الذي لا عبوديّة فيه نهائيًا بل حياة شركة في حرّية الخالق. هذا ما جعل معلّم الشريعة  غمالائيل الذي اكتسب شهرة أيّام يسوع يصرّح في قول نسب اليه في كتاب الميشنا -أو مجموعة التراث الشفوي- : "كلٌّ منّا في كلّ جيل يجب أن يعتبر نفسه قد حُرّر من العبودية وأخرج من عبودية مصر"[iii]

 

 تطوّر السنة الطقسيّة المسيحيّة

إتبع يسوع في حياته بالجسد ترتيب الأعياد كما كانت قد إعتمدته الروزنامة العبريّة بيدَ أنّه أشار في بشارته وتعاليمه إلى "زمن جديد"، زمن إستعلان ملكوت الله حين تكتمل مؤشّرات الزمن القديم الذي دوِّنت معالمه في التوراة. وبذلك لم يركّز على حرفيّة الممارسات الطقسيّة بلّ أكسب تفسيرًا جديدًا لما كانت تشير إليه: "السبت إنما جُعل لأجل الإنسان لا الأنسان لأجل السبت" (مرقس 2 :27 ). ثمّ فقد قبض عليه إذ كان يقيم عشاء عيد الفصح برفقة تلاميذه كما كان قد أدرج في الروزنامة القديمة. وخلال هذا العشاء الأخير معهم إقتيد إلى المحاكمة وصُلِب.

أتباعه الأوّلون آمنوا أنّ الزمن الجديد الذي وعدهم به تحقّق في القيامة في "اليوم الأوّل من الأسبوع" (متى 28 :1، مرقس 16 :2 ويوحنا 20 :1 ). في حدث القيامة إكتمل الناموس والأنبياء إذ أصبح كلّ يومٍ يومُ قيامة وغلبة على الموت. وعلى الرغم من أنّ كُثر من تلاميذ المخلّص واظبوا في إقامة تسلسل الأعياد كما أشارت اليها الروزنامة العبريّة، بيدَ أنّ المؤمنين الجدد تخلّفواعن ذلك إذ اعتبروا أنّ التقويم القديم لم يعد مجديًّا . بولس الرسول يكتب: "واحد يعتبر يومًا دون يوم وآخر يعتبر كل يوم. فليتيّقن كلُّ واحد في عقله. الذي يهتم باليوم فللرّب يهتّم. والذي لا يهتّم باليوم فللرّب لا يهتّم "(رومية 14 : 5 -9 ).ثم يعود ويحذّر المؤمنين الجدد قائلًا:"لا يحكُم عليكم أحدًا... من جهة عيد أو هلال أو سبت" (كولوسي 2 :16 ).

واقتبست الكنيسة الناشئة منذ البداية التقويم الأسبوعي العبري الذي أشار الى سبعة أيام في الأسبوع الواحد. ثم وقبيل نهاية العهد الرسولي ، أي في نهاية القرن الأول للميلاد، اعتبر اليوم الأول في الاسبوع - أي نهار الأحد –اليوم المخصص لاجتماع العبادة الجماعية اعلانا لقيامة يسوع (أعمال 20 : 7 وكورنثوس الأولى 16 :2 ) كما وان العالم اليوناني/الروماني بجملته أخذ باسبوع الأيام السبعة الذي كان علام الفلك قد أوصوا به.

بالإضافة إلى ذلك فالأدب المسيحيّ الناشيء إعتبر يوم الأحد "يوم الرّب" كما أنّ معظم الكنائس أشارت إلى ضرورة إعتماد نهار الأحد الذي يلي عيد العبور المقرّر في الروزنامة العبريّة لإقامة عيد الفصح. هذا وأنّ ذكرى رقاد القدّيسين كانت أيضًا تقام يوم الأحد إذ أنّ الإستشهاد هو "ولادة في زمن الملكوت"، كما أنّ الشهداء هم شهود لقيامة المسيح الذي قهر الموت بالموت. ثمّ فإنّ التقويم الجديد ركّز على تعييد اليوم الخمسين ( يوم حلول الروح القدس الذي تشير إليه روزنامتنا في عيد العنصرة) تعيّده الكنيسة الناشئة بعد الفصح تيّمُنًا بعيد الأسابيع العبريّ الذي كان يقع سبعة أسابيع بعد عيد الحصاد والذي كان يتذكّر فيه الشعب العبري أيضًا تسليم الرّب الوصايا العشر لموسى على جبل سيناء.

واتبعت الروزنامة الكنسيّة هذا الترتيب كإطار لتقويمها لغاية القرن الرابع كأساس لإعلان إستكمال الزمن الجديد بتجسّد المسيح، كما وارتقابًا لمجيئه الثاني بالمجد في آخر الأزمنة حين ينال المؤمنون به تراثًا لهم فرحًا يدوم في عيد سرمدي.

تلا ذلك تطوّر جديد في الروزنامة إذ أصبحت الديانة المسيحيّة ديانة الدولة الرسميّة في عهد الإمبراطور قسطنطين وذلك في العام 312 للميلاد. التقويم الجديد أسفر عن إدخال مدّة تحضيريّة لمرحلة الصوم الكبير وذلك من جهة لكي يفسح بمجال أطول لتلقين العقيدة لطالبي المعموديّة، كما ومن جهة ثانيّة لإرشاد المؤمنين الذين كانوا قد فصلوا عن الشركة لذنب إقترفوه ليتوبوا ويُقبلون من جديد كأعضاء في الكنيسّة.

أضيفت أيضًا إلى الروزنامة مدّة التهيئة لحدث الميلاد وفقًا لانقلاب الشمس في فصل الشتاء (اي  في 25 كانون الأول و6 شباط في  النصف الشمالي للكرة الأرضيّة) وذلك لإسقاط بدعة "الشمس التي لا تُقهَر" (Sol Invictus ) التّي استمدّت من ملاخي 4 :2 وأسفرت عن بدعة ناشئة قالت بأنّ الإمبراطور هو الشمس التي لا تقهر [iv].

مهما يكن من أمر هذه البدعة التي حاربتها الكنيسة وأسقطتها، فقد أصبحت هذه الفترة في ما بعد تعرف بفترة التهيئة للميلاد، أضيف إليها تدريجًا عدد من أعياد قدّيسين وشهداء كما وذكرى تكريس كنائس عدّة ومزارات لقدّيسين كما ولتواريخ نقل رفاتهم.

وقبل أن ننصرف إلى تساؤلات طرحت وتطرح اليوم حول تحديد تاريخ عيد الفصح، نؤكِّد في هذا الجزء الذي إستهّل يبحث في نشأة التقويم الكنسي وتطوّره أنّ الروزنامة الكنسيّة لم تتطوّر قط بناء على أحداث عبّرت عن وحي إلهيّ إخترق التاريخ البشريّ مماثل لتطوّر تقويم الروزنامة العبريّة، على الرغم من أنّها استلهمت الكثير منه. تطوّرها اتبع تطوّر تراث حضاري أحدث القانون الكنسيّ المحليّ تعديلات شتى فيه. وضمن هذا الإطار فإنّ عددًا من الكنائس المحليّة أدخلت تعديلات في الروزنامة إعتبرتها ضروريّة لسدّ حاجات رعائيّة جابهتها. نذكر ظاهرتين معاصرتين على سبيل المثل فقط لا الحصر: الكنيسة المحليّة في بلدة ضهور الشوير في لبنان، وبإذنٍ خاص من القيادات الكنسيّة الشرقيّة منها والغربية، إتخذت قرار تعيّيد الفصح بموجب التقويم الكنسي الشرقي. كذلك فإنّ الكنائس كافة في المملكة الاردنيّة الهاشميّة قد أجمعت على تعييد الميلاد وفقًا للتقويم الغربي (25 كانون الأول) وهي تعيّد الفصح وفقًا للتقويم الشرقي المتحرّك. هذه إستثناءات بإذنٍ خاص من الإدارة المدنيّة وبمباركة القيادات الكنسيّة على الصعيد المحلّي، بيد أنّها إستثناءات إذ أنّنا نجد اليوم أنّ الوصول إلى اتفاق شامل على تحديد تاريخ العيد يختلف شرقًا وغربًا وقد زاد في تعقيده تداخل الإنقلاب الشمسيّ والإنقلاب القمري المستمدان من بحث علم الفلك، ومن تقويمات أربعة متداخلة إقتبست هنا وهناك على مرّ السنين.

وقد قام مجلس الكنائس العالمي بدعوة الكنائس الى مؤتمر هدف لايجاد حلّ يوصلنا إلى تاريخ موحّد إنعقد بموجبه لهذا الهدف إجتماع مسكونيّ في مدينة حلب في شهر آذار من العام 1997 ينصرف الجزء التالي من مقالنا إلى عرض التساؤلات التي قام النقاش عليها.[v]

 

تساؤلات حول توحيد تاريخ عيد قيامة يسوع المسيح

تساؤل أول: لماذا لا يقع تاريخ إقامة عيد الفصح في يوم واحد على الصعيد العالميّ؟

جواب سريع قد نجده في ترتيب إتّبع في القرن الرابع للميلاد إذ إتخّذ القرار بالإجماع على أن يحدّد تاريخ العيد في اليوم المباشر الذي يلي الإعتدال القمري الأول في فصل الربيع علمًا بأنّ هذا الإعتدال في السنة يكون فيه عدد ساعات النهار معادلًا لعدد ساعات االليل وهو بالتالي أطول نهار في السنة.

أما ما حصل فعلا فهو يُملي علينا جوابًا أكثر تعقيدًا:

ينقل إلينا الإنجيل أنّ موت يسوع على الصليب وقيامته هما أمران حدثا خلال عيد الفصح العِبري. يذكر أناجيل متى ومرقص ولوقا أنّ العشاء الأخير الذي تناوله يسوع مع تلاميذه كان عشاء الفصح العبري بينما يؤكّد إنجيل يوحّنا أنّ يسوع صُلِب مساء عيد الفصح نفسه. بالإضافة الى ذلك، نعرف من خلال تشريعات العهد القديم أنّ المجتمع العبري كان يقيم الفصح في القرن الأول للميلاد في "اليوم الرابع عشر من الشهر الأوّل" حسب ما ورد في العهد القديم (لاويين 23 :5 وعدد28 :16، ويشوع 5 :11 ). ونعرف أيضًا من شواهد تاريخيّة عدّة أنّ أشهُر السنة عند العبرانيين كانت كلّها تبدأ في اليوم الأوّل لظهور القمر بدرًا. اليوم الأوّل من الشهر الأوّل في السنة العبريّة، نيسان/ أبريل، كان يحدّده ظهورالقمر بدرًا في بداية الإعتدال الربيعي أيّ في يوم تاريخ متحرّك وليس بثابت. من هنا فإنّ الفصح العبري كان يحتفل به في أوّل يوم من الإعتدال الربيعي يظهر فيه القمر بدرًا وبالتالي فإنّ تاريخ العيد لم يكن يومًا ثابتًا بلّ متحركًا.

بناء عليه، فإنّ الشواهد التاريخيّة للقرون الأولى تنقل إلينا أنّ هذا التقويم جعل الكنائس المسيحيّة تختلف في تحديد يوم العيد. وبدءًا من القرن الثاني للميلاد أخذت كنائس عدّة تحدّد تاريخ العيد ليتوافق مع تاريخ الفصح العبري، إن وقع هذا الأخير في يوم أحد أو في يوم آخر من الأسبوع. بيدَ أنّ هذا القانون الذي إتُفق عليه في مَجمَع نيقية خضع إلى قراءات متباينة من قبل الكنائس، ممّا أسفر عن تطوّر لتقاويم زمنيّة أربعة مختلفة كما يلي:[vi]

1.    التقويم الروماني القديم:

كانت الدولة الرومانيّة تستخدم تقويمًا يتألّف من عشرة أشهر، ومنه جاءت تسمية أكثر الأشهر، ثم استخدموا تقويمًا شمسيًّا - قمريًّا حيث أنّ طول السنة فيه 355 يومًا وعدد الأشهر 12 شهرًا وعدد الأيّام في الأشهر بين 29 و30 يومًا، وهذا يوافق السنة القمريّة. ثمّ في السنة التالية لها يضاف شهر طوله 22 أو 23 يومًا على التعاقب فيكون طول السنة الكبيس 377 أو 378 يومًا. بالتالي يكون متوّسط حصيلة دورة أربع (355+377+355+378) يساوي 366.25 وهو ما يعادل طول السنة الشمسيّة. ويُعزى هذا التقويم للإمبراطور نوما الروماني.

بيد أنّ هذا التقويم طاله التلاعب، فجعلوا بعض الشهور التي سميّت على أسماء القياصرة 31 يومًا على حساب الشهور الأخرى، وكان عدد السنين يبتدئ من سنة تأسيس مدينة روما عاصمة الإمبراطورية، وهي سنة 753 ق.م.

2 .التقويم اليولياني Julian Calendar:  

هذه التسمية مرتبطة بيوليوس قيصر الذي فرضه في سنة 46 ق.م. ليحسب في حيّز التنفيذ منذ عام 45 ق.م. الموافق لسنة 709 لإنشاء روما.

يحاول التقويم اليولياني محاكاة السنة الشمسيّة ويتكوّن من 365 يومًا يضاف اليها 25 يومًا مقسّمة على 12 شهرًا.

ولما احتلّت الإمبراطوريّة الرومانيّة مصر إستفاد الرومان من علوم المصريّين الفراعنة الفلكيّة، فقام يوليوس قيصر بتعديل التقويم الروماني القديم بالاستعانة بأحد الفلكييّن الإسكندرييّن يدعى سوسيجنيو، وقد تمثّل تعديله في جعل السنة العادية 365 يومًا والسنة الكبيس 366 يومًا، وتكون سنة كبيس كلّ أربع سنوات، وجعل عدد أيام الأشهر الفردية 31 يومًا والزوجيّة 30 يومًا، عدا شهر شباط  فيكون في السنة العادية 28 وفي السنة الكبيس 29 يومًا.

واستعيض منذ القرن السادس عشر عن التقويم اليولياني (لعدم دقتّه) بالتقويم الغريغوري .

إستمرّ استخدام التقويم اليولياني في الكنائس الأورثوذكسيّة حتى القرن العشرين.

ينشأ بين التقويمين منذ عام 1900 وحتى عام 2099 فارقًا قدره 13 يومًا، يتأخّر بها التقويم اليولياني عن التقويم الغريغوري.

ملاحظة: لا يزال هذا التقويم مستخدمًا في أديرة جبل آثوس.

3 .التقويم الميلادي:

كان عدّ السنين في التقويم اليولياني مبنيًا على التقويم الروماني القديم الذي يعتبر سنة إنشاء مدينة روما عاصمة الإمبراطوريّة الرومانيّة بداية للتاريخ وهو سنة 753 ق.م ، ثمّ وفي منتصف القرن السادس دعا الراهب الأرمني ديونيسيوس أكسيجونوس إلى وجوب أن يكون ميلاد المسيح هو بداية التقويم ونجح هذا الراهب في دعوته، فأصبح عدد السنين منذ سنة 532 م يعتمد على سنة ميلاد المسيح، وهي سنة 753 منذ تأسيس روما على حساب ديونيسيوس.

 4 .التعديل الغريغوري:

لاحظ غريغوريوس الثالث عشر بابا روما (القرن السادس عشر)  أنّ يوم الاعتدال الربيعي وقع في 11 آذار بدلاً من 21 آذار، بفارق عشرة أيام، فكلّف الراهب "اليسيوس ليليوس" ( Alissius Lilius  (ليقوم بتعديل التقويم اليوليان.  

وتمّ الإتفاق على حذف ثلاثة أيام كلّ 400 سنة وأن تكون السنة القرنيّة (التي هي من مضاعفات 100 سنة) بسيطة إلاّ إذا قبلت القسمة على (400) بدون باقٍ، وهكذا نام الناس يوم الخميس 4 تشرين الأوّل 1582م واستيقظوا يوم الجمعة 15 تشرين الاوّل 1582م.

تساؤل ثانٍ: لماذا إذن، وعلى الرغم من الإجماع على كيفيّة توحيد تاريخ العيد في نيقية، إستمرّ الخلاف على مسألة توحيد تاريخ عيد قيامة السيِّد المسيح؟

المشكلة التي لم يتطرّق لها مجمع نيقية في العام 325 م. هي إلتزام المجمع بالصمت حول أساس موحّد لتحديد تاريخ اليوم الأوّل للإعتدال الربيعيّ للقمر. من يقرّر يوم إكتمال القمر بدرًا وكيف يوافق الجميع على ظهور القمر بدرًا، بغضّ النظر عن الموقع الجغرافي لكنيسّة معينة على الكرة الأرضيّة؟ الكنائس أتت بإجابات متباينة حول هذا الأمر.

الأمر إزداد تعقيدًا عندما إستبدل التقويم اليولياني الذي كانت الكنيسة قد إتبعته منذ العام 46 للميلاد بالتقويم الغريغوري وذلك في القرن السادس عشر للأسباب التي ذكرنا. لم تمتثل جميع الكنائس بالتقويم الغريغوري الجديد (كنيسة اليونان مثلًا لم تمتثل لغاية بداية القرن العشرين). ثمّ أنّ معظم الكنائس الارثوذكسيّة تستمر حتى اليوم تلتزم باعتماد التقويم اليولياني.

تساؤل ثالث: لماذا اعتُمِد التقويم الغريغوري؟ وهل من ضرورة دفعت إلى اعتماده؟

للتوضيح، علينا أن نذكر أنّ اقتراح تعديل التقويم الكنسيّ الذي قام به البابا غريغوريوس الثالث عشر أصبح ضروريًا إذ اتضّح له أنّ الإعتدال الربيعي القمري الذي يوازي دورة الأرض السنويّة حول الشمس لايناسب 365 يومًا بالضبط إذ أنّ هذه الدورة تستغرق بالفعل 365 يومًا وخمس ساعات، و48 دقيقة، و46 ثانية. و استنادًا لتدابير عمليّة في قياس الزمن، من الضروري أن نعتمد مقياسًا يتجاوز هذه الفروقات في ساعات ودقائق وثوان .

الفرق الأساس بين التقويم الغريغوري والتقويم اليولياني يتمحور حول هذه المسألة:

التقويم اليولياني تضّمن إقتراح "سنة كبيس" كلّ أربع سنوات فتصبح السنة فيه أطول بـ 11 دقيقة و14 ثانية من الوقت الذي تستغرقه الأرض في دورانها حول الشمس. هذا يعني أنّ تقويم الروزنامة يزيد بيوم واحد المدّة الفعليّة لدورة الأرض حول الشمس كلّ 128 سنة.

التقويم الغريغوري إقترح كحلّ لهذا التباين بأن يكون هنالك "سنة كبيس" في السنوات التي يمكن قسم الرقم الذي يشير إليها على الرقم 100 والإمتناع عن ذلك إنّ تعذّر قسم الرقم على 400. هكذا نحصل على عدد أقلّ من "سنوات الكبيس" ونكون قد وافقنا باسلوب أكثر دقّة الحقائق الأسترولوجيّة مع فارق بسيط يعادل 26 ثانية في السنة الواحدة، ويقودنا ذلك إلى فرق يوازي يومًا واحدًا فقط بين سنة الروزنامة وسنة دوران الكواكب بالمقياس الأسترولوجي العلميّ وذلك كل 3600 سنة.

هذا يفسّر لماذا الإعتدال الربيعي الذي يقع في 21 آذار في التقويم اليولياني مثلًا يقع في 3 نيسان في التقويم الغريغوري. بالتالي نفهم الفرق بـ 28 يومًا بين تاريخ العيد الشرقي في 2 أيار وتاريخ العيد الغربي في 4 نيسان في العام 2021.

تساؤل رابع: هل هذا يعني ان الفرق بين تاريخ العيد الغربي وتاريخه الشرقي يكون دائمًا 28 يومًا؟

بالطبع لا. تاريخ العيد شرقًا وغربًا لا يقع في التاريخ ذاته من سنة الى أخرى. تاريخ العيد مبنيّ على تحديد تاريخ اليوم الأوّل للإعتدال الربيعي للقمر في التقويم اليولياني من جهة وفي التقويم الغريغوري من جهة أخرى. في السنة الحاليّة (2021 ) الفرق بين التقويمين هو 28 يومًا ومن المرتقب أن يكون 13 يومًا متى بلغنا سنة 2100 وهذا يعني أنّه في سنة 2100 يرتقب الإعتدال الربيعي بتاريخ 21 آذار في التقويم اليولياني، بينما يقع في حسابات التقويم الغريغوري في 3 نيسان وبالتالي يتأخّر العيد شرقًا 13 يومًا عن العيد الغربي.

إعتباران آخران يجعلان تحديد تاريخ العيد أكثر تعقيدًا وهو أنّ إكتمال القمر بدرًا وفقًا للتقويم اليولياني يتبع المسار ذاته كلّ 19 سنة من جهة ممّا يحدّد تاريخ تحديد الفصح اليهودي. ومن جهة أخرى فإن قانون مجمع نيقية يشير إلى إعتبار آخر تعلِّق عليه الكنائس الشرقيّة أهميّة ألا وهو أنّه من غير المقبول أن يحدّد تاريخ عيد الفصح الكنسيّ بالتاريخ نفسه الذي يقع فيه الفصح في الروزنامة العبريّة. يختلف اللاهوتيون الأرثوذكس في تعليل سبب هذا الإعتبار بيد أنّهم يصرّون على ضرورة تأخير تاريخ العيد الكنسيّ أسبوعًا إن وقع العيدان في نفس التاريخ بحسب الروزنامة الأسترولوجيّة.

تساؤل خامس: في العام 2007 تطابق تاريخ العيد شرقًا وغربًا. ما هو سبب هذا التطابق ومتى يحدث تطابق مثل هذا؟

هذا يحدث متى تأخّر تاريخ ظهور القمر بدرًا على خط الإستواء إلى ما بعد 21 آذار وفقًا للتقويم اليولياني كما ووفقًا للتقويم الغريغوري، مما يجعل التقويمين يعتبرانه على السواء بمثابة أوّل ظهور للقمر البدر ضمن الإعتدال الربيعي. تطابق كهذا حصل قي العام 2001 و2004 و2007  ومن المرتقب أن يحصل أيضًا في 2010 و2011 و2014 و2017 و2034.

تساؤل سادس: هل من خطوات عمليّة لتوحيد تاريخ عيد الفصح شرقًا وغربًا؟

محاولات عدّة في هذا الإتجاه قامت تحضيرًا للمؤتمر المسكونيّ الذي انعقد في مدينة حلب كما وبعده:

قام مجلس الكنائس العالمي بوضع إستبيان أرسل إلى الكنائس الأعضاء كافّة حول مضوع تاريخ الفصح. الكنائس كلّها وافقت على ضرورة إعتماد عيد موحّد. بيد أنّ الكنائس الأرثوذكسيّة آثرت إعتماد تاريخ متحرّك في الروزنامة الكنسيّة إنطلاقا ممّا إتفق عليه في مجمع نيقية في القرن الرابع. بناء عليه وضع مجلس الكنائس العالمي موضوع توحيد تاريخ عيد الفصح  على جدول أعمال جمعيّته العموميّة التي انعقدت في مدينة "نايروبي" (Nairobi ( عام الـ 1975. وفي نايروبي أحيل موضوع توحيد تاريخ العيد إلى القيّمين على الكنائس الأعضاء في المجلس للبحث.

ثم أنّ المؤتمر المسكونيّ الذي انعقد في مدينة حلب في العام 1997 خرج بتوصية وافق عليها المؤتمرون بالإجماع تشير إلى اعتماد قانون مجمع نيقية لتحديد عيد الفصح والإستعانة بأبحاث علم الفلك الحديثة لإعادة النظر في أسلوب الإتفاق على تاريخ اليوم الأوّل للإعتدال الربيعي للقمر.

تساؤل سابع: لماذا إذن لمَ لم نبلغ بعد حتى اليوم الى إتفاق بشأن تحديد تاريخ موحّد للعيد؟

الحاجز الأساس في طريقنا إلى تاريخ موحّد هو أنّ الكنائس التي تتّبع التقويم الغريغوري إصطدمت في السابق بصعوبات عدّة أدّت بعضها إلى انشقاقات وخلافات أليمة إزاء بحثها عن تعديل في روزنامتها  يرضى به جميع أبنائها لذلك فهي تتوخّى الحذر في ذلك.

إقتراح شائع في الأوساط المسكونيّة اليوم، على الرغم من أنّه لم يكتسب بعد شكلًا قانونيًا للبحث، ألا وهو أن تقيم كنائس الغرب عيد الفصح عندها حسب التقويم الشرقي بينما يعتمد الجميع على تاريخ الكنيسة الغربية في تحديد عيد الميلاد في 25 كانون الأول .

صورة تغني عن مواصلة أبحاث في علم الفلك نريدها موضوعيّة الا وهي ثريّا كبيرة  تتدلى من سقف كاتدرائياتنا الشرقيّة، جرت العادة أن ندفعها لتتأرجح ذهابًا وإيابًا في أوساط تراثنا الشعبي إذ نتبع راعينا صباح خدمة العيد بعد أن يكون قد تلا علينا نصّ الإنجيل خارج باب الكنيسة المغلق، فندخل بناء المعبد الذي كنّا قد خرجنا منه معتمًا والذي يتحوّل بدخولنا مشعًّا بالأنوار. الثريا تتأرجح فوق رؤوسنا ذهابًا وإيابًا وترسل أنوار البهجة في عتمة البناء، وكلّ منا بيده شمعة يتلاعب نورها على وجهه وعلى من حوله لينضّم إلى الشعب الذي يدخل بناء يتلألأ ضياء بينما الكلّ  ينشد بصوت واحد: "المسيح قام من بين الأموات ووطىء الموت بالموت ووهب الحياة للّذين في القبور".

هكذا فإن طقس صلاة "الهجمة" ينطلق بنا في تأرجح ثرّياتنا كلّ سنة مشيرًا الى تأرجح الروزنامة. ومهما تغيّر تاريخ العيد في الروزنامة، من أوائل شهر شباط/ فبراير في مستهل زمن الصوم الكبير إلى بداية شهر حزيران أحيانًا حين نكون لا نزال في بركات موسم الفصح، فإنّ طقس الهجمة في خدمة أحد الفصح عندنا يرمز إلى تأرجح الأنوار والظلال خلال السنة الطقسيّة إلى أن نبلغ يومًا نرجوه جميعنا بصدق، نتفق فيه على تاريخ موحّد للعيد. نحن الآن ننظر في مرآة كما يكتب الرسول بولس، نعرف بعض المعرفة، ونحن نسير إلى يوم فيه يجيء الكامل فيبطل ما هو بعض ونعرف آنذاك كما عرفنا (كورنثوس الأولى 13 :9 -12 ). المهم ألا نحفظ العيد في حرفيته كحافظين أيامًا (كورنثوس الأولى 5 :7 ). لا نقيم العيد من أجل حفظ الأيام بل من أجل الرّب، من أجل المسيح الذي هو فِصحُنا.

 

بيروت في 3/29/2021

دائرة التواصل والعلاقات العامة


[i] We are in need of being reminded of who we are called to be: people on the Way. The Second Vatican Council of the Roman Catholic Church (1962-1965) renewed attention to the image of the pilgrim Church. The Constitution on the Liturgy, the first document approved by the Council, says, In the earthly liturgy, by way of foretaste, we share in that heavenly liturgy which is celebrated in the holy city of Jerusalem toward which we journey as pilgrims. . . . Philip H. Pfatteicher. 2013. Journey into the Heart of God: Living the Liturgical Year (Oxford University Press), p.3

[ii] Massey H. Shepherd  (Hodges Professor Emeritus of Liturgics, Church Divinity School of the Pacific, Berkeley, California), Church Year, https: www.britanniva.com/topic/church-year#ref67654k downloaded on 3/27/2021

[iii] Mishna, Pesaḥim 10:5

[iv] كاتت بدعة تقول بقداسة الامبراطور كمؤتمن على شؤون الكنيسة ومدبر لشؤون الشعب لذلك تستوجب له طاعة غير مشروطة من الكل اعضاء الكنيسة اكليرس وشعب

[v] لمزيد من المعلومات المقتضبة راجع الموقعين التاليين:

www.oikoumene.org › resources › documents › freque...

http://orthodoxinfo.com/ecumenism/commoneaster.aspx

[vi] https://www.antiochpatriarchate.org/ar/page/726/

Previous
Previous

الأُخوّة والتنوّع قاعدة إنسانية وأخلاقية أساسية للعيش المشترك

Next
Next

مواعظ خميس الفصح والجمعة العظيمة والقيامة