الأُخوّة والتنوّع قاعدة إنسانية وأخلاقية أساسية للعيش المشترك

لمناسبة مرور شهر على زيارة البابا فرنسيس الى العراق 5-8 آذار/ مارس 2021 أربعة مقترحات عملية

kjkjygdftgdstrdt.jpg

غبطة البطريرك الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو

يصادف اليوم 5 من شهر نيسان/ أبريل ذكرى مرور شهر على زيارة البابا فرنسيس للعراق: “لأسألَ اللهَ عزاءَ القلوبِ وشفاءَ الجراح” كما صرح قبيل زيارته ببضعة أيام. ورددّ عبارة  مُدوية خلال زياته: “ليصمت صوت السلاح، ويعم السلام“. هذه الزيارة فرصة ممتازة  ليستثمرها العراقيون لكي يعودوا بكافة أطيافهم ودياناتهم إلى ذاتهم ووطنيَّتهم ،ويتحلّوا بالمسؤولية، ويطووا صفحة الماضي، ويفتحوا صفحة جديدة  للمصالحة وتعزيز الاخوّة بينهم، وإحترام التنوع وإرساء السلام، وإعادة بناء بلدهم وإحياء مؤسساته المتهالكة، وعودة النازحين الى مناطقهم وبيوتهم، فينعم الجميع بالسلام  والحياة الكريمة، حالهم حال سائر البشر. 

1- الاخوّة البشرية مصدر قوّة وتكامل

أكد البابا فرنسيس في كافة محطات زيارته على الاخوّة والتنوّع: وهو الموضوع الأساس الذي جاء في رسالته العامة “كلّنا اخوة”، وكذلك في “وثيقة الاخوّة البشرية” التي وقَّعها  مع شيخ الأزهر الدكتور احمد الطيّب في ابو ظبي – الامارات، ودعمها المرجع الاعلى سماحة السيد علي السيستاني بمقولته المؤثرة : “انتم جزءٌ منا ونحن جزءٌ منكم”. فالاخوّة البشرية هي هدف كلِّ المجتمعات والديانات، و ينبغي ان تكون نقطة رئيسية  لنبذ الغلّو والكراهية وتغيير النظرة والفكر وبناء الثقة حتى نسير معاً الى الامام كإخوة وأخوات بالتسامح والمحبة واحترام التنوع، فنبني عالماً أكثر سلاماً وعدالة وكرامة وتقدماً. فالتعاون المتبادل يفتح الباب للمستقبل.

2- الاخوة في الوطن أساس العيش المشترك

 العراقيون من حيث المبدأ والدستور مواطنون متساوون تماماً في الحقوق والواجبات، ولا يمكن ان تنحصر المواطنة في الدين أو المذهب، أو المنطقة أو العرق أو العدد. المواطنة حقٌّ كونيٌّ للجميع.

 علينا ان نكتشف اُفقاً جديداً لاخوَّتنا الوطنية بحيث يشعر كلّ واحد ان العراق بيته. لربما حان الوقت لفصل الدين عن الدولة، وبناء دولة مدنية كما فعل الغرب المسيحي منذ زمان وتفعل دولة السودان هذه الايام! ان الدولة المدنية او العلمانية ليست معادية للدين، بل تحترم كل الاديان، لكنها لا تقحم الدين في السياسية. اعتقد ان هذا هو الضمان للعيش المشترك “الدين لله والوطن للجميع”. دولة مدنية تضمن حرية الدين وممارسة شعائر العبادة لكل العراقيين على حدٍّ سواء، وتحمي حقوق الانسان الواردة في كافة المعاهدات الدولية.

3– الاخوّة الروحية الطريق إلى اللّه والى الإنسان.

 شاء البابا فرنسيس بزيارته للعراق أن يتقدمَ مع قادة دينيين عراقيين خطوة نحو الاخوّة الروحية بين المؤمنين، عندما التقى بسماحة السيد علي السيستاني وزار مدينة اُور ارض إبراهيم، ولقائه بممثلي الديانات الإبراهيمية الموِّحدة في العراق. هذه الديانات تستند إلى الطابع الإلهي في كتبها المقدسة وتنتسب الى إبراهيم.

البشر عيال الله وإخوة وأخوات لبعضهم البعض. والإيمان ضمانة لتنوعهم وحريتهم وحقوقهم. في ذلك يقول القرآن: ” إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ” (سورة القصص؛ آية 56).

لا توجد مشكلة في أن يتبع كلُّ فرد ديانته وتقاليده شرط ان يحترم ديانة اخيه الاخر لا  ان  يكفّره أو يخونه أو يُقصيه أو يزيله. هذا التنوع حاصل بمشيئة الله. قال البابا في اور: “القَناعَةِ الراسِخَةِ بأنَّ التَعاليمَ الصَّحيحَة لِلأدْيانِ تَدعُو إلى التَمَسُّكِ بِقِيَمِ السَّلام.. والتَعارُّفِ المُتَبادَل والأُخُوَّةِ الإنسانيَّة والعَيْشِ المُشْتَرَك” وأنّه “لا يَجُوزُ استِخْدامُ اسمِ اللهِ “لتَبْريرِ أَعْمالِ القَتْلِ والتَشْريدِ والإرْهابِ والبَطْش”. وعلى أنقاض الكنائس الأربع والبيوت المدمرة في حوش البيعة وسط الموصل، رفع البابا صوته قائلاً : “إن كان الله إله الحياة، وهو كذلك، فلا يجوز لنا أن نقتل إخوتنا باسمه. وإن كان الله إله السلام، وهو كذلك، فلا يجوز لنا أن نشنّ الحرب باسمه. وإن كان الله إله المحبة، وهو كذلك، فلا يجوز لنا أن نكره إخوتنا… ليتوقف العنف باسم الله”. أحد الكرادلة الايطاليين كتب الي قائلا: “يا لها من فرحة الزيارة  كان العراق خلالها قطعة صغيرة من الجنة بعد  الجحيم الذي عاشه”. 

 من المؤسف لقد فهم البعض ان البابا دعا الى اذابة الديانات في دين واحد. هذا غير صحيح ابداً. الاخوّة لا تعني ذوبان الهوية الدينية في دين واحد، بل دعوة ليحافظ كل واحد على دينه ومعتقده، لكن عليه ان ينفتح على دين اخيه الاخر ويحترمه. الاخوَة والتنوع هما قوة لبقائنا وتقدمنا. علينا ان نعيشها في ممارسات يومية ملموسة، خصوصاً ان العالم شرع منذ 2011 يحتفل بيوم الوئام العالمي في الاسبوع الاول من شهر شباط ومنذ 2021 في 4 شباط باليوم الدولي” للاخوة البشرية” و قد أعلن رئيس مجلس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي السادس من شهر أذار من كل عام يوماً للتسامح.

علينا الا نيأس امام بعض المعوقات والتيارات المتطرفة والأفكار المغلوطة أو نستسلم للفرقة، بل لنثابر على تعزيز الأخوة واحترام التنوع والعمل لينعم الجميع بالخير والعدل والعيش بفرح وسعادة كما يريد اللّه …

هذا المقال نُشر على موقع بطريركيّة بابل للكلدان، لقراءة المزيد اضغط هنا.

Previous
Previous

سبع دول عربية على لسان البابا فـي يوم العيد

Next
Next

حول تاريخ موحّد لعيد القيامة المجيدة