تعليم غبطة البطريرك ساكو 2 – الكنيسة الكلدانيّة والعمل القومي الكلداني
غبطة البطريرك الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو
الكنيسة الكلدانية، كنيسة كاثوليكية، أي كنيسة جامعة منفتحة على الكل وتخدم الكل على قدر إمكانياتها البشرية والمالية. الكنيسة مؤسسة الهية وبشرية، تحمل رسالة المسيح الى الناس، وتبشر به، وتنشئ المؤمنين "كأم ومعلمة" تنشئة إيمانية وروحية من خلال تعليمها وأخلاقياتها، وليتورجيتها (طقوسها). وكانت الكنيسة الكلدانية رائدة في تأوينها، وتجديدها لتلائم حياة الناس وثقافتهم وظروفهم وتواجدهم الجغرافي…
الكنيسة تخدم الناس من خلال أعمال المحبة، كالمساعدات المالية والمعنوية. وقفت الكنيسة ولا تزال تقف مع المحتاجين والمظلومين. وأمام تفاقم الخطر على المسيحيين في العراق، وظَّفت بحكمة علاقاتها الطيبة، مع الحكومة والمرجعيات الدينية في المركز وإقليم كردستان لحمايتهم، والحفاظ على حقوقهم. فتعاملت باتزان مع الواقع، لكنها بقيت تطالب ببناء دولة مدنية تقوم على المواطنة والقانون، وفصل الدين عن الدولة، والعمل على استتباب السلام والاستقرار وتوفير الخدمات التي تليق بالكرامة الإنسانية. لقد حاولتُ منذ تسلّمي المسؤولية ان تكون الكنيسة حاضرة في حياة المجتمع العراقي وفي المحافل الدولية والكنسية.
الكنيسة في زمن الأزمات
أيام تهجير داعش للموصل وبلدات سهل نينوى العام 2014 قامت الكنيسة بعمل أشبه بالمعجزة لمساعدة النازحين، وإسكانهم وإطعامهم و ضمان مواصلة أولادهم دراستهم في المدارس. وحملت مأساتهم الى المحافل الدولية كمجلس الأمن، ومفوضية حقوق الإنسان، وبرلمان الاتحاد الأوروبي، ورؤساء الدول. ولعل هناك من يذكر أن رؤساء أبرشيات أسهموا بأيديهم في تأهيل الكنائس وقاعاتها للاستقبال، وتحركوا لدعم الطلبة والطالبات ونجدتهم. وعندما حررت بلداتهم قامت الكنيسة بعملية إعمار بيوتهم ومدارسهم قبل مبانيها الكنسية، لكن من المحزن تبقى عقلية الناس تسيطر عليها حالة عدم الرضى والتذمر. اذكر حادثة على سبيل المثال صدمتني. سال احد مراسلي التلفزيون احد المهجرين من بلدات سهل نينوى: هل الكنيسة تساعدكم. أجاب لا؟
الكنيسة والعمل السياسي والحزبي
الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية لا يمكنها الانخراط في العمل السياسي والحزبي لأنه يخالف تعليمها، ولا تقبل ان تستغل لنشاطات حزبية أو سياسات معينة، ولهذا فهي تبقى حرة ومستقلة في موقفها وقرارها وخطابها في الشأن العام. باب الكنيسة مفتوح للكل من دون تبني آراءهم. ومثلما لا تتدخل الكنيسة في النشاطات القومية والسياسية، فإنها ترفض أي تدخل لهؤلاء في شأنها الكنسي.
القومية والنشاط القومي
هناك تعاريف مختلفة للقوميّة nationalism . القومية شعورٌ بالتعبير عن الانتماء الى جماعة بشرية معينة، لها خصائص مشتركة كالأرض، واللغة ،والثقافة، والتاريخ، والتراث، والفولكلور، والدين والمذهب. والقومية تصبح نظاماً ثقافياً واجتماعياً وسياسياَ واقتصادياً يهدف إلى ممارسة مسؤولية الحفاظ على الهوية القومية، وواجب تعميق الوعي بها والمطالبة بالحقوق عبر نشاطات مدروسة وتطويرهما.
الوعي القومي عند الكلدان
الوعي القومي عند الكلدان مستجد ويحتاج الى المزيد من المراس والقوة. ويعود ذلك الى عدة أسباب: منها العقلية الاتكالية، والانتماء القروي: القوشي، تلكيفي، زاخولي… وكان الولاء قبل عقود قليلة يقتصر على الكنيسة والوطن. وتفرغ الكلدان للدراسة في الجامعات وفي النشاط التجاري.
ولغياب العمل الحزبي والقومي القوي عند الكلدان، انخرط العديد منهم في أحزاب ومنظمات غير كلدانية: شيوعية، كردية وآشورية. ليس ثمة من يؤثر على حرية اختياراتهم الأيديولوجية السياسية، لكن المتناقض أنه كان لهم تداخل مع الكنيسة ونهجها الروحي والثقافية والراعوية، أقل ما يقال فيها، أنها بعيدة عن الانتماء كأبناء وبنات الكنيسة.
الكلدان بحاجة إلى الاضطلاع بالمسؤولية بشكل مطرّد والمواجهة العلمية المتوازنة بقوة الفكر، بعيداً عن الاتكالية ورمي المسؤولية على الكنيسة، أو أي جهة أخرى، فالكنيسة ليست بموقع أن تحل مشاكلهم الصغيرة والكبيرة. وعليه، ينبغي أن يعدّ القوميون هذا الحال كمشكلة حقيقة تنظيمية مع أنفسهم وسلوكهم.
تصوروا أن احد هؤلاء اتصل بي طالباً ان اعلن ان مردوخ هو اله الكلدان، إسوة بآشور الذي يعده بعض المتطرفين الآشوريين الههم؟ وآخرون يطالبون بدعم مادي (حوافز اقتصادية)، وكأن الكنيسة دولة لها واردات هائلة! وآخرون يريدون ان تسهل البطريركية تسفيرهم الى حيث يريدون وتقديم مساعدات مادية لهم في بلدان الانتظار، وآخرون يناشدونها لترشيحهم في مجلس النواب أو من أجل إيجاد وظيفة خاصة تدر عليهم المال. وعندما لا تتمكن البطريركية من القيام بذلك، يصبون عليها نار غضبهم …
هذا المقال نُشر على موقع بطريركيّة بابل للكلدان، لقراءة المزيد إضغط هنا.