عقب انفجار بيروت، جرعات موسيقيّة تخفّف من أوجاع المتضرّرين
تانيا قسيس: علينا التمسّك دائمًا بالأمل... وأنا متأكّدة أنّ غدًا يكون يومًا أفضل
تحقيق ايليا نصراللّه
منذ ثلاثة أشهر حتّى اليوم واللّبنانيّون ما زالوا غارقين في مأساتهم جرّاء كارثة لم تكن سوى ضربة قاضية دمّرت حياتهم ومستقبلهم بثوان. فاجعة أصابت صحّتهم الجسديّة والنفسيّة في وقت تعاني البلاد أصلًا من أزمات خانقة. فمنذ ذلك اليوم المشؤوم يستمرّ البيروتيّون بمواجهة صدمة قويّة وكآبة تُرجمت باضطرابات نفسيّة مؤلمة وحالات من الغضب واليأس الشديدين... إضافة إلى توعّك صحّي دائم.
جمعيّات ومنظّمات كثيرة هبّت لمساندة هذا الشّعب الجريح من خلال العمل الإغاثي الميداني وإعادة تأهيل وترميم المنازل والممتلكات الخاصّة. لكن ما زال الألم والحزن يسبُران عمقًا كبيرًا في قلوب المتضرّرين، فحرصت بعض هذه المنظّمات على مساندتهم نفسيًّا لبلسمة جروحهم والتخفيف من أوجاعهم؛ وذلك من خلال علاجات نفسيّة متنوّعة تختلف تقنيّاتها بحسب الفئات العمريّة والظّروف الّتي مرّ بها كلّ فرد، وأهمّها العلاج بالموسيقى.
إذْ، اختارت الفنّانة تانيا قسيس عبر "أكاديميّة تانيا قسيس" وبالتّعاون مع جمعيّة ONE LEBANON أن تدعم البيروتيّين من خلال هذا العلاج ومجّانًا. لماذا، كيف ومتى؟ كلها أسئلة ترد عليها قسيس وتضيء على هذا البرنامج الإنساني وتفاصيله.
بدايةً، استعادت معنا الفنّانة تانيا قسيس الذكريات المريرة الّتي مرّت بها فور وقوع الإنفجار، فوصفت صعوبة اللّحظات الأولى الّتي خاضتها في أكاديميّتها في منطقة السوديكو، الأشرفيّة، مع طلّابها الأطفال والّذين وقعوا جميعًا تحت هول الصّدمة. فمع هذه المسؤوليّة الكبيرة، على حدّ تعبيرها، لم تتمكّن بالتّواصل مع أهلها للاطمئنان عنهم، ولم تكن تتوقّع أنّ الأضرار الّتي لحقت بمنزلها هائلة، وأضافت "نشكرلله أنّني من الناجين، ولم أكن من عدّاد الجرحى أو الضحايا، لذلك رسالتي اليوم هي الوقوف إلى جانب المتضرّرين ومساندتهم في هذه الظّروف الصّعبة".
من هنا أطلقت قسيس مبادرة العلاج النفسي بالموسيقى، مشيرةً في حديثها أنّ بعض اللّبنانيّين يخجلون أو لا يرغبون بالمشاركة في الجلسات المخصّصة فقط للعلاج النفسيّ، حتّى ولو أنّهم يعانون من إرهاق نفسيّ، لذلك اختارت أن تمزج بين العلاج النفسي والموسيقى الّتي تُعتبر أصلًا مصدرًا للرّاحة. ولفتت أنّ المشاركة في هذه الجلسات لا تتطلّب خبرة في الغناء أو العزف على آلة موسيقيّة، فهي تضمّ تمارين مختلفة ترتكز على الموسيقى والإيقاع، وذلك مع الالتزام بالإجراءات الوقائيّة للحدّ من انتشار فيروس كورونا.
في السّياق عينه، أوضحت تانيا أنّها خصّصت جلسات للفئات العمريّة كافّة، كلّ منها مختلفة ومنفصلة عن الأخرى. فقسّمت المشاركين إلى مجموعات عدّة، منها للأطفال بين الـ7 سنوات و14 سنة، أخرى للمراهقين، وثاثلة للرّاشدين؛ وذكرت أنّ المدرّبين متخصّصين في العلاج النفسي بالموسيقى ومتخرّجين من جامعات بوردو الفرنسيّة.
تابعت الفنّانة تانيا قسيس حديثها بغصّة مستذكرةً فرحة المشاركين عقب كلّ جلسة ومشيرةً إلى ردود الفعل الإيجابيّة خصوصًا أنّها تمكّنت من تحقيق أهدافها المرجوّة بمساندة البيروتيّين والتخفيف من آلامهم. إذْ، وصفت الرّاحة النفسيّة الّتي يشعر بها المتضرّرون أثناء مدة العلاج خصوصًا أنّ الأوجاع نفسها توحّدهم جميعًا. من جهّة أخرى، أبدت قسيس رغبتها وعزمها على مواصلة جلسات العلاج هذه، وذلك في حال توفّرت الإمكانات الضروريّة والدعم من قبل الجهات المعنيّة.
قسيس أعربت عن خوفها كما كل اللّبنانيّين من المستقبل المجهول الذي ينتظرهم، مشيرةً أنّ لبنان استطاع مواجهة كلّ التحدّيات، واللّبنانيّون لم يستسلموا يومًا أمام الصعاب والظّروف العصيبة، وتمكّنوا من تخطّي كلّ المطبّات. وشدّدت "على الرّغم من تداعيات انفجار بيروت الهائلة على الأصعدة كافّة علينا التمسّك دائمًا بالأمل"، داعيةً جميع اللّبنانيّين إلى البقاء في وطنهم والوقوف إلى جانب إخوتهم في العاصمة وكلّ المناطق اللّبنانيّة خصوصًا الأطفال وقلوبهم الرقيقة، "فهم لا يستحقّون أن نتركهم وحدهم في هذه المحنة وواجبنا اليوم مساعدتهم من دون أن نفقد الأمل"، لأنّ الأضرار جسيمة معنويًّا وماديًّا ونفسيًّا؛ بأمل كبير قالت "أنا متأكّدة أنّ الغد سيكون يومًا أفضل، انشاء لله!".
وعن أعمالها المستقبليّة لدعم بيروت وأبنائها المتألّمين أكدّت تانيا أنّها لن توقف البحث عن أفكار جديدة. إذْ، تستمرّ جمعيّتها ONE LEBANON بالعمل الإغاثي من خلال توزيع المساعدات على العائلات المتضرّرة، وتقوم بتحضير حفل موسيقيّ لمناسبة عيد الميلاد، يحييه طلّاب قسيس في الأكاديميّة وشباب موهوبين من مختلف المناطق اللّبنانيّة. هذا الحفل مخصّص لأطفال بيروت لزرع الفرح والأمل بينهم. كما أشارت أنّها أحييت حفلًا موسيقيًّا افتراضيًّا من تنظيم الأمم المتّحدة وبمشاركة أوركسترا تابعة للمنظّمة، وذلك دعمًا للصّليب الأحمر اللّبناني.
"أكاديميّة تانيا قسيس" ومنظّمات محليّة ودوليّة تواصل جهودها من أجل مرافقة وإنقاذ الشّعب اللّبناني الّذي لطالما أحبّ الحياة والفرح. الأعمال الإغاثيّة مستمرّة ميدانيًّا فبناء الحجر من الأولويّات لا سيّما أنّ العديد من المنازل غير جاهزة حتّى اليوم للسكن فيها بأمان. أمّا بناء الإنسان فضروريّ أيضًا كي لا يفقد رجاءه وإيمانه وحبّه للحياة!
دائرة التواصل والعلاقات العامة