الشرق الأوسط المأزوم بين الوباء ومعدّلات الفقر والبطالة
مساعٍ دوليّة لاحتواء ما بعد كورونا، فهل نهاية الجائحة قريبة؟
ما زال الشرق الأوسط يعاني من جائحة كورونا ودوله كافّة تسجّل إرتفاعًا متواصلًا بأعداد الإصابات والوفيات يوميًّا. لذا تستمر النداءات للعمل على تعزيز حملات التطعيم والمطالبة بالتوزيع العادل للّقاحات بين مختلف الدول، كما ورد في البيان الختامي لاجتماع اللجنة التنفيذية لمجلس كنائس الشرق الأوسط الذي عقد في 11 شباط/ فبراير الفائت، وذلك سعيًا للقضاء على الوباء والإستعداد لاحتواء مرحلة ما بعد الجائحة الّتي تسبّبت بتفاقم ظاهرتي الفقر والبطالة بشكل كبير. وليترافق هذا النداء مع مقرّرات المؤتمر الإعتياديّ لمنظّمة الصّحّة العالميّة الّذي عُقد في 9 شباط/ فبراير 2022 والذي أطلق عنوان "الصحة للجميع وبالجميع" لمرحلة ما بعد كورونا والمستقبل معها أو من دونها.
في السياق، تشهد دول العالم منذ أوائل التسعينات إنخفاضًا في معدّلات الفقر، إلّأ أنّ المشرق لم يتمكّن من الإقتراب حتى إلى هذه النِسَب لا بل على العكس أنّ باتت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الوحيدة الّتي سجّلت إرتفاعًا بمستويات الفقر منذ العام 2013 وفق تقرير البنك الدوليّ الأخير. وبحسب المصدر نفسه فإنّ مستويات الفقر إزدادت من 2.4% إلى 7.2% بين 2011 و2018.
هذه المعطيات والظروف المتأزّمة كانت تختصر المشهَد في المنطقة قبل تفشّي فيروس كورونا، فما هي إذًا حالها مع الوباء وما بعده؟ وما هو واقع الشرق الأوسط الّذي يرزح أصلًا تحت وطأة أزماته الإقتصاديّة؟
وضع إقتصاديّ إنسانيّ من سيّء إلى أسوأ
نشر البنك الدوليّ في نهاية عام 2021 تقريرًا جديدًا بعنوان "آثار جائحة فيروس كورونا على توزيع الدخل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" يسلّط الضوء على تداعيات جائحة كورونا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والإضطرابات غير المسبوقة الّتي سادت في المنطقة. وتكشف نتائج التقرير أنّ تفشّي كورونا أدّى إلى إرتفاع كبير في معدّلات الفقر، إتّساع ظاهرة عدم المساواة، ظهور مجموعة من "الفقراء الجُدُد"، تغيّيرات في سوق العمل على أساس الهامش المُكثَّف (كفاءة العمل) والهامش الموسَّع (عدد المشتغلين). إضافةً إلى إنخفاض مستويات الدخل وإنعدام الأمن الغذائيّ وتفاقم أوجُه الهشاشة.
على صعيد آخر يشير التقرير إلى أنّ التعافي بإمكانه أن يودّي إلى زيادة التفاوتات وانعدام المساواة لا سيّما وأنّ الإقتصاد غير الرسميّ (حيث يعمل كُثر من الأقلّ دخلًا) يتعافى عادةً ببطء أكبر. واستعدادًا لما بعد الوباء، يؤكّد التقرير على أهميّة حملات التطعيم لا بلّ على أولويّتها في سبيل تحقيق التعافي وذلك في ظلّ مستويات تطعيم منخفضة في مختلف دول المنطقة.
ووفق التقرير، يتحقٌّق التعافي أيضًا عبر اعتماد استراتيجيّات إقتصاديّة معيّنة لإجراء تغيّيرات بأقلّ تكاليف في السّياسات والمؤسّسات. لذا يقترح التقرير مجموعة حلول قد تسهم في التخفيف من الأعباء السّائدة؛ كتحسين بيئة الأعمال وتخفيف القيود التنظيميّة الحكوميّة المفروضة على الإقتصاد، تعزيز القدرة على المنافسة، الإنفتاح على التجارة، زيادة إنتاجيّة العاملين في الإقتصاد غير الرسميّ، إعادة توجيه الدعم لاسيّما في قطاع الطاقة وإلغاء الحواجز الّتي تحول دون مشاركة المرأة في الإقتصاد.
ظروف صحيّة تدقّ ناقوس الخطر
وسط الإنهيار الإقتصاديّ والفقر المُدقِع الّذي تعاني منه دول الشرق الأوسط، ما زال عدّاد فيروس كورونا يسجّل إرتفاعات جديدة في صفوف الإصابات والوفيات. وبحسب منظّمة الصّحّة العالميّة إرتفع عدد الإصابات بشكل هائل في الأسابيع الستّة الفائتة ليتجاوز المتوسّط اليوميّ 110.000 حالة. أمّا عدد الوفيات فسجّل أيضًا إرتفاعًا في الأسابيع الثلاثة الفائتة لكن بنسبة أقلّ ممّا كان عليه في الموجات السّابقة، ليبلغ المتوسّط اليوميّ 345 حالة وفاة.
وفي المؤتمر الإعتياديّ لمنظّمة الصّحّة العالميّة الّذي عُقد في 9 شباط/ فبراير 2022، أشار المدير الإقليميّ للمنظّمة د. أحمد المنظري أنّ فيروس كورونا ما زال يفتك في كلّ الدول وبين جميع البشر دون أي تميّيز مؤكّدًا على أهميّة التطعيم. وقال "لا تزال اللّقاحات من أفضل الأدوات لإنقاذ الأرواح. وعلى الرّغم من التحدّيات العديدة، تلقّى بالفعل الآن أكثر من 35% من سكّان الإقليم التطعيم بالكامل، رغم أنّ معدلات التطعيم الكامل تختلف اختلافًا كبيرًا بين البلدان – إذ تتراوح بين 1% و94%."
من هنا أفاد د. المنظري إلى أنّ منظّمة الصّحّة العالميّة نجحت في العامين الماضيّين في تحقيق مشاريع تهدف إلى تعزيز الشّراكات المجتمعيّة بغية التصدّي لفيروس كورونا. كما تمكّنت المنظّمة من إنشاء آليّات لإبداء الآراء المجتمعيّة وإيصال صوت المجتمعات. هذا إضافةً إلى تنظيم دورات تدريبيّة لبناء قدرات الشّركاء في المجتمع كالقيادات الدينيّة والطواقم الصحّيّة وقادة المجتمع...
ونبّه "لا يزال الطريق أمامنا طويلًا... المسؤوليّة تقع على عاتق الجميع"، وختم "في إطار رؤيتنا الإقليميّة لعام 2023 - الصّحّة للجميع وبالجميع - لن تنتهي هذه الجائحة بدون التضامن والعمل الجماعي من جانب جميع الناس، ومنهم المجتمعات المحليّة والأفراد".
بناء رؤية لواقع ما بعد جائحة كورونا
وسط التحدّيات الإقتصاديّة والإجتماعيّة الّتي تواجهها المنطقة وعلى الرّغم من المساعي الجارية لضمان الحماية الإجتماعيّة الشّاملة، تبقى فرص التفكير في الدروس المستفادة لمستقبل الحماية الإجتماعيّة هذه وفق اليونيسف محدودة إلى حدّ ما على صعيد السّياسات العليا.
لذا عُقد منتدى وزاريًّا بعنوان "مستقبل الحماية الإجتماعيّة في المنطقة العربيّة: بناء رؤية لواقع ما بعد كوفيد-19" في 30 تشرين الثّاني/ نوفمبر 2021، جمع الوزراء المسؤولين عن الحماية الإجتماعيّة في المنطقة العربيّة، ممثّلي أصحاب العمل ومنظّمات العمّال والمجتمع المدنيّ وخبراء متخصّصين، بتنظيم من التحالف الإقليميّ للأمم المتّحدة القائم على مسائل معيّنة حول الحماية الإجتماعيّة (IBC) ، الّذي تنسّقه اليونيسف (UNICEF) ومنظّمة العمل الدوليّة (ILO)، بالتعاون مع اللّجنة الإقتصاديّة والإجتماعيّة لغربي آسيا (الإسكوا)، وبدعم من مركز السياسات الدوليّة للنمو الشّامل (IPC-IG) ومنصّة الحماية الإجتماعيّة (socialprotection.org).
وفي إطار الدروس المستفادة من جائحة كورونا في مجال الحماية الإجتماعيّة، هدف المنتدى إلى "صياغة رؤية للحماية الإجتماعيّة وإعلان مبادئ لدول المنطقة العربيّة في مرحلة التعافي بعد كورونا، وتحديد المجالات ذات الأولويّة للحصول على الدعم من الأمم المتّحدة.
وتناول المنتدى مواضيع عدّة مثل:
- التغطية، توفير الحقّ في الحماية الإجتماعيّة للجميع من خلال أنظمة حماية إجتماعيّة شاملة تهدف لعدم إهمال أحد.
- الإستجابة للصّدمات، تعزيز قدرة أنظمة الحماية الإجتماعيّة للإستجابة للصّدمات المستقبليّة.
- التمويل، لأنظمة حماية إجتماعيّة شاملة وملائمة ومستدامة بعد كورونا.
- الحوكمة، نهج الحماية الإجتماعيّة المتكامل والمنسّق لتحقيق أثر أكبر.
إلى ذلك تمّ إصدار وثيقة إعلان مبادئ معتمدة من قبل الوزراء المشاركين تشمل المبادئ التوجيهيّة الرئيسة الهادفة إلى الحماية الإجتماعيّة ما بعد كورونا والّتي ستسهم في توجيه صنع السياسات للبلدان والشّركاء الدوليّين في المنطقة العربيّة.
على الرّغم من كلّ المبادرات الرّامية إلى القضاء على فيروس كورونا، ما زالت نهاية الجائحة غير واضحة حتّى الآن. إلّا أنّ قادة العالم أطلقوا في 9 شباط/ فبراير 2022 حملة لإنهاء كوفيد-19 كحالة طوارئ عالميّة لسنة 2022. وذلك عبر سدّ العجز التمويليّ الّذي يبلغ 16 مليار دولار وتكاليف أخرى تُقدّر بـ 6.8 مليار دولار، بهدف شراء الأدوات الأساسيّة لمواجهة الفيروس وتوزيعها على الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسّط.
دائرة التواصل والعلاقات العامة