صلاة من اجل الوحدة، ام صلاة في الوحدة؟
ألقى الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط د. ميشال أ. عبس هذه الكلمة في خدمة الصلاة الّتي أُقيمت لمناسبة ختام "أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيّين"، يوم الأحد 28 كانون الثاني/ يناير 2024، بضيافة كنيسة جميع القدّيسين الإنجيليّة الأسقفيّة الأنجليكانيّة في وسط بيروت. وذلك ضمن الإحتفالات الّتي نظّمتها في لبنان اللّجنة الأسقفيّة للعلاقات المسكونيّة في مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بالشّراكة مع مجلس كنائس الشرق الأوسط.
د. ميشال أ. عبس
الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط
ان نجتمع، على تنوعنا، خاشعين امام صليب الفادي، في كنيسة مختلفة عن كنيستنا، نتلو معا صلوات مشتركة، نتوزع مراحلها، فهذا لا يمكننا تسميته الا انه وحدة!
التنوع ليس انقساما، والتمايز ليس انقساما، والفرادة ليست انقساما، والتجدد ليس انقساما. يكون الانقسام حينما ننكر تجسد الكلمة، وحينما نتنكر لجراحات الفادي ودمه الذي أهرق للعهد الجديد، وقيامته التي اعطى بها حياة جديدة لبني البشر.
نحن واحد، مهما قالوا، ومهما اختلفنا، وحتى تنازعنا. لو لم نكن واحدا لما حصل لا خلاف ولا نزاع. لو لم نختلف لكنا في حالة اللامبالاة تجاه الرسالة الخلاصية، ولما انتشرت هذه الرسالة في كل اصقاع الأرض وعمت المعمورة.
بمجرد انك آمنت به، فأنت واحد مع جميع أبناء البيعة، لانه قال "ليكون الجميع واحداً، كما انك انت أيها الأب في وانا فيك، ليكونوا هم ايضاً واحداً فينا، ليؤمن العالم انك ارسلتني." (يو21:17)
لا يظننن أحد ان الوحدة تتطلب ذوبانا تاما بين المكونات، او استنساخا من مكون الى آخر. هذا معاكس لطبيعة الانسان ولتركيبة المجتمعات. الوحدة هي البقاء على التطلعات ولو اختلفت الوسائل.
منذ خمسين عاما، وكنيسة المسيح تجتمع وتصلي وتمجد الخالق وتستعيد رسالة الفادي بكل ابعادها، الإلهية والإنسانية. اليست هذه وحدة؟
لا نعني بذلك البتة ان مجلس كنائس الشرق الأوسط هو الوحدة المسيحية، بل هو الإطار المؤهل لتجلي هذه الوحدة. هو مؤسسة ليس الا، اوجدتها الكنيسة من اجل التعبير عن وحدتها. اما وحدتها الحقيقية، فتمكن في اللقاءات بين قياداتها، وتدريجيا بين ناسها.
التنوع والاختلاف غنى، وهو نتيجة قيم مسيحية أساسية، أولها الحرية، التي عنها ينتج الابداع الذي جعل المسيحية تتخذ كل التجليات التي نراها في العالم اليوم، نتيجة لقبول رسالة السيد من شعوب وحضارات وثقافات لا عد لها ولا حصر.
لا نحتاج الى ان نتحسر على وحدة مفقودة، لأنها، وبكل بساطة موجودة، مهما احتدمت الخلافات بين مكونات البيعة، بل هي وحدة تتمتع بحيوية عالية، نتيجة توق الى التقدم، من قبل الجماعات التي اعتنقت المعتقد الخلاصي والمنضوية ضمنها.
ان وجود مؤسسات متنوعة، لا يتحول الى انقسام الا بقدر ما يعتمدها القيمون عليها لنصب العداء للأخرين، وهذه ليست حال مسيحيتنا اليوم.
مسيحيتنا تعي، يوما بعد يوم، خطورة دورها في انقاذ الجنس البشري، الغارق في ضلاله، والمتمادي في غيه، لذلك هي موحدة الأهداف متنوعة الوسائل.
وحدة الهدف هي الوحدة الحقيقية، لا وحدة الوسائل. اما الأهم في كل ذلك، فهو ان تموضع كل مؤسسة نفسها بالنسبة الى المؤسسات الأخرى بشكل يخدم الهدف الأساس. انه التوافق الوظيفي، لكل مؤسسة حسب ميزاتها التفاضلية. هكذا نكون موحدين بالأهداف وبالخدمة المشتركة.
فَكَمَا أَنَّ لَنَا فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ أَعْضَاءَ كَثِيرَةً، وَلكِنْ لَيْسَ لِجَمِيعِ هذِهِ الأَعْضَاءِ عَمَلٌ وَاحِدٌ، فَكَذَلِكَ نَحْنُ الْكَثِيرِينَ جَسَدٌ وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ، وَكُلُّنَا أَعْضَاءُ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ. (الرسالة إلى أهل رومية 12 :4-5)
لذلك، اختم كلمتي، لا بأن ادعو الى الصلاة من اجل الوحدة، التي اعتبرها متوفرة بحكم الايمان، بل بالصلاة ضمن الوحدة التي نغنيها جميعا ونمتنها عبر تفاعلنا ضمنها وبها، ونكون، عبر ذلك، بصدد ارسال رسالة الى جميع بني البشر، ان يكونوا واحدا في الخالق، وان ينبذوا التمييز العنصري وخطاب الكراهية، والا فأن الإنسانية قادمة، بفعل الاختلاط العالمي الشديد، الى ازمنة صعبة، مليئة بالنزاعات والمحن.
بوحدتنا، نعطي دروسا للإنسانية وهكذا ننقذها.